13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

حمارة القايلة وحِمار الطاحونة!

من الآدابِ الجميلة عندنا أن إذا ذُكر الحمارُ في أحاديثنا نقول أكرم اللهُ السامع وهنا نقول أكرم الله القارئ والقارئة! مخلوق موسوم "بالغباوة" لا يعرفه أبناء الجيل الحاضر إلا من الرسوم والكتب وحدائق الحيوانات، بعد أن كان سابقًا - في جيلنا وما قبله - له حظوة كبيرة جدًّا في المواصلات وفي أعمال الحقول والزينة! من أطوع وأصبر الحيوانات، قريب من الإنسان ولا يزال يعمل بصبر في بعض المجتمعات!

ليس للحمار من ذنبٍ أنه غبيّ، الله خلقه في عقل يتناسب مع الغرض منه، وإلا كيف يمكن سيطرة إنسان صغير على مخلوق بحجم الحمار لو كان يملك عقلًا؛ يطيع ويعصي، يحلل المخاطر ويقيس المسافات، ويزن الأحمال؟

قديمًا كانوا يخوفون أطفالهم من الخروج في وقت الظهر في أيام الصيف - مثل التي نحن فيها - بأن "حمارة القايلة" سوف تظهر في هيئة وحشٍ مخيف وتؤذيهم إذا خرجوا من الدار. حكاية خيالية وشعبية لا غير!

أما حكاية حمار الطاحونة فهي حقيقية وواقعية حيث إن الحمار لا يعرف ما هو الغرض من عمله الشاقّ، يظنّ أنه يسير بعيدًا حينما يربطه الطحّان -عامل الطاحونة- في حبلٍ يدور في حركة دائريّة من أجل طحن القمح، بينما هو يسير في قطر دائرة ضيق!

يقول النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله: "المتعبد بغير فقه كالحمار في الطاحون". وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "المتعبد على غير فقه كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح، وركعتان من عالم خير من سبعينَ ركعة من جاهل لأن العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه، وتأتي الجاهل فتنسفهُ نسفًا، وقليل العمل مع كثير العلم خيرٌ من كثير العمل مع قليل العلم والشكّ والشبهة".

{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}؟ شعار الإسلام هو سمو العلم وعلو منزلة والعلماء في مقابل تسافل مراتب الجهل والجَهَلة. 
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}! هل يستوي من له عينان في رأسه يبصر بهما بالذي فقد عينيه فلا يرى؟ هل يستوي من فقد بصيرته فلم يعد من أصحاب العقول بالذينَ يعقلون ويتفكرون؟
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}، يشعر الحمار بثقل ما فوق ظهره، لكنه لا يعرف إن كان يحمل جواهر أم أحجارًا، وليس معنيًّا بالأمر! إنما أنا وأنتم من لدينا عقول، نفكر ونتبصّر في أحوالنا وأينَ نضع أقدامنا!

الحقّ ما قاله الله ورسوله، إذا تعمقنا قليلًا فإنا نجد أن الإنسانَ الذي لا يُحيي عقله ولا يُعمله غير بعيد عن حمار الطاحونة يظنّ أنه يطوف البلادَ طولًا وعرضًا فإذا به لا يذهب بعيدًا!


error: المحتوي محمي