ما إن يحل شهر المحرم الحرام، في كل عام، حتى تتحرك ذاكرة الكثير نحو شخصيات ارتبطت بوجدان أهالي محافظة القطيف، مع حلول كل موسم لعاشوراء الإمام الحسين -عليه السلام-، فعلى الرغم من مرور نحو خمسة عقود على رحيلها، فإن معلمة القرآن الكريم وناعية آل البيت -عليهم السلام- "فهيمة" لا تزال في ذاكرة أم الحمام نساء ورجالًا، وكيف لا وهي التي نالت من معنى اسمها الكثير، (فَهِيْمَة): التي تُدرك بواطن الأمور ومعانيها بقلبها، وتُحسِن تصوُّرها، وذات فهم ومعرفة وإدراك، ومعنى الاسم فهيمة: جيدة الاستعداد للاستنباط، تحسن تصور الأمور والمعاني.
عُرفت فهيمة إبراهيم الشبيب، التي تنحدر من أسرة علم وأدب في بلدة أم الحمام، بهيبتها، وأحبها الصغار والكبار، درسّت القرآن، وعلّمت الصلاة والخطابة الحسينية، وكتبت الشعر، وورثته أبناءها، كما يذكر عنها حفيدها من ابنتها الشاعرة سلمى، وهو الشاعر بدر الشبيب، ويسترسل في سيرتها.
محيط أسرتها
تنتمي "فهيمة" لأسرة موالية، ومؤثرة في شاعريتها، والدها إبراهيم الشبيب رجل معروف بزهده وورعه، مؤذن في مسجد العبد العال داخل مسورة أم الحمام، عرفه الأهالي بالصوت المميز، وعمها الملّا حسين الشبيب المتوفى 1369هـ، والذي وصفه الشيخ علي المرهون بـ"عين القلادة في بلاده" بعد الشيخ منصور المرهون، وزوجها الحاج معتوق أحمد الشبيب المتوفى 1396هـ، من الرجال الأخيار وحسن السيرة والمداوم على تلاوة القرآن، وكان يقيم مجلس قراءة حسينية، أحياه الشيخ علي المرهون ومن بعده الشيخ عبد الحميد المرهون.
ولاؤها العميق
نهلت "فهيمة" المعرفة والعلم، فكانت معلمة للقرآن الكريم، في كتّاب تمارس فيه تعليم قراءة القرآن بالحركات والتجويد للبنات والأولاد الصغار من أهالي أم الحمام، وكذلك كتاب وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكتاب المنتخب للطريحي المعروف بالفخري، بالإضافة إلى تعليمها للصلاة، وكيفية الأغتسال، وبعض أحكام الشريعة.
وكونها خطيبة حسينية، لها مجلس حسيني تعقده على الدوام في بيتها للنساء، وآخر للرجال يقيمه زوجها، وكانت على درجة عالية من التقوى والورع والحرص على صلة الأرحام والجيران، ولذا كانت محط ثقة الجميع، تفزع إليها نساء الحي يطلبن منها الدعاء دائمًا، خصوصًا عند تعسر الحاجات واشتدادها، لما يرون فيها من علاقة بربها، وكانت إلى جانب التعليم تبيع الأقمشة لتساعد زوجها في شؤون الأسرة المادية.
انطلاقة شاعريتها
بدأت في كتابة الشعر في السنين المتأخرة من عمرها، حيث لم تكن تتقن الكتابة من قبل، ولكنها حاولت بدافع ذاتي أن تتعلم الكتابة لتخط شعرها بنفسها، وأول شعر كتبته رثاء في وفاة المرجع الكبير السيد محسن الحكيم الطباطبائي.
من مؤلفاتها ديوان شعر من ثلاثة أجزاء، من الشعر الدارج، أسمته "لهبات الأحزان ومحرك الأشجان" في النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته الكرام، عليهم السلام، طُبع منه جزآن في النجف الأشرف برعاية سماحة الشيخ علي منصور المرهون رحمه الله، الذي كان دائم التشجيع لها، الجزء الأول في 119 صفحة، والثاني في 112 صفحة، والثالث لا يزال مخطوطًا.
أبناؤها
الأمومة تربة الإبداع، أبدعت أمومة فهيمة فكان من نتاجها ابنتها الخطيبة الحسينية والشاعرة، سلمى معتوق الشبيب، المعروفه بـ"أم بدر" الشاعرة كذلك، وتركت ديواني شعر مخطوطين بعنوان "أشجان وأحزان"، توفيت في 6 جمادى الأولى 1415هـ.
ابنها الشاعر سعيد معتوق الشبيب، المعروف بـ"أبو حمدي"، ترك خلفه تسعة دواوين، وكان ذا بصمة مميزة في محافظة القطيف، توفي في 29 ربيع الأول 1443هـ.
ابنها الأخير جعفر معتوق الشبيب، من الناشطين على المستويين الاجتماعي والديني، ومن الداعمين لمشاريع الخير، توفي في 24 ذي الحجة 1442هـ.
وفاتها
عانت فهيمة في أيامها الأخيرة، من مرض ألم بها، وأرقدها الفراش في مركز الظهران الطبي، وتدنت حالتها الصحية، وفقدت قدرتها على الكلام بسبب الأجهزة، فكتبت وثيقة بخط يدها، وكشفت الوثيقة التي كتبتها عن مجموعة وصايا لأبنائها.
تضمنت: سؤال أولادها عن دين عليها لعبد الوهاب بو صالح عبارة عن 80 ريالًا، وهل قاموا بوفائها أم لا؟، وعبد الوهاب بو صالح، كان تاجر أقمشة في القطيف له معرض في سوق مياس، وكانت تشتري منه أقمشة لتبيعها وتتكسب منها، إقرارًا منها بأن في ذمتها لابنتها سلمى دينًا عبارة عن 100 ريال، والذي لا تتذكر إن كان الدين لابنتها سلمى كان في شهر رجب أو شعبان، وصية لابنتها سلمى لتطلب من ابنتها حليمة أن تذهب لخالها علي سلمان الشبيب وتبلغه سلامها، خبر خروج مريضة كانت معها بنفس الغرفة، وأن أولادها وبناتها أتوا إليها.
توفيت فهيمة "رحمها الله" في يوم 8 من شهر صفر 1397هـ، بعد وفاة زوجها بعام واحد.
طلبتها
يتذكر علي حسن اليوسف (أبو حسنين) أنه تتلمذ على يدها ما يقارب سنتين ونصف السنة، وكذلك أمه نعيمة عبدالله المحيشي (أم علي) تتلمذت هي الأخرى على يدها، وهو ختم القرآن بكامله، يقول: "المعلّمة فهيمة، رحمها الله، كانت حنونة جدًا وعطوفة علينا جدًا".
وأضاف: "كنا نتعلم عندها القرآن عصرًا، وكنا نجتمع في عريش واسع، وعندما ننتهي، تأتي لنا بدفتر أبو 100 ورقه، لونه أسود، وتُملي على من يستطيع الكتابة أشعارها وهو يكتب، وانتابني نصيبُ من ذلك يومًا، فأملت علي شعرًا وكتبته لها فيه، لا أتذكره جيدًا، لكنه كان رثاء في الإمام الحسين عليه السلام".
وتصفها أنيسة منصور الحرز (أم حمدي)، والتي تتلمذت على يدها مع زوجها (أبوحمدي)، بأنها كانت مؤمنة وتقية ومعلمة أجيال وحنونه وعطوفة، لا تفوتها الصلاة، وتوقظ جيرانها لصلاة الفجر.
وتسترجع ذاكرتها بقولها: "كانت تعلمنا إضافة إلى القرآن، الطهارة والاغتسال والصلاة، وتعلمنا باللغة العربية الفصحى، وتُلزمنا القراءة بالحركات وتشدد على ذلك، حتى أصبحت لغتنا سليمة، تتلمذت على يدها أخواتي أم إحسان وأم مجدي، والكثيرات من ملالي أم الحمام".
وتتذكر أنيسة أنها كانت رحمها الله، عندما تأكل من عاطفتها وحنانها تجعل الدجاج والطيور تأكل معها، وتقطع لها الخبز حتى تستطيع التقاطه، وتقول: "عاطفتها كانت جياشة شملت الكبير والصغير وحتى الحيوانات".




بدر الشبيب

أحد طلبتها.. علي حسن يوسف آل يوسف
عُرفت فهيمة إبراهيم الشبيب، التي تنحدر من أسرة علم وأدب في بلدة أم الحمام، بهيبتها، وأحبها الصغار والكبار، درسّت القرآن، وعلّمت الصلاة والخطابة الحسينية، وكتبت الشعر، وورثته أبناءها، كما يذكر عنها حفيدها من ابنتها الشاعرة سلمى، وهو الشاعر بدر الشبيب، ويسترسل في سيرتها.
محيط أسرتها
تنتمي "فهيمة" لأسرة موالية، ومؤثرة في شاعريتها، والدها إبراهيم الشبيب رجل معروف بزهده وورعه، مؤذن في مسجد العبد العال داخل مسورة أم الحمام، عرفه الأهالي بالصوت المميز، وعمها الملّا حسين الشبيب المتوفى 1369هـ، والذي وصفه الشيخ علي المرهون بـ"عين القلادة في بلاده" بعد الشيخ منصور المرهون، وزوجها الحاج معتوق أحمد الشبيب المتوفى 1396هـ، من الرجال الأخيار وحسن السيرة والمداوم على تلاوة القرآن، وكان يقيم مجلس قراءة حسينية، أحياه الشيخ علي المرهون ومن بعده الشيخ عبد الحميد المرهون.
ولاؤها العميق
نهلت "فهيمة" المعرفة والعلم، فكانت معلمة للقرآن الكريم، في كتّاب تمارس فيه تعليم قراءة القرآن بالحركات والتجويد للبنات والأولاد الصغار من أهالي أم الحمام، وكذلك كتاب وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكتاب المنتخب للطريحي المعروف بالفخري، بالإضافة إلى تعليمها للصلاة، وكيفية الأغتسال، وبعض أحكام الشريعة.
وكونها خطيبة حسينية، لها مجلس حسيني تعقده على الدوام في بيتها للنساء، وآخر للرجال يقيمه زوجها، وكانت على درجة عالية من التقوى والورع والحرص على صلة الأرحام والجيران، ولذا كانت محط ثقة الجميع، تفزع إليها نساء الحي يطلبن منها الدعاء دائمًا، خصوصًا عند تعسر الحاجات واشتدادها، لما يرون فيها من علاقة بربها، وكانت إلى جانب التعليم تبيع الأقمشة لتساعد زوجها في شؤون الأسرة المادية.
انطلاقة شاعريتها
بدأت في كتابة الشعر في السنين المتأخرة من عمرها، حيث لم تكن تتقن الكتابة من قبل، ولكنها حاولت بدافع ذاتي أن تتعلم الكتابة لتخط شعرها بنفسها، وأول شعر كتبته رثاء في وفاة المرجع الكبير السيد محسن الحكيم الطباطبائي.
من مؤلفاتها ديوان شعر من ثلاثة أجزاء، من الشعر الدارج، أسمته "لهبات الأحزان ومحرك الأشجان" في النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته الكرام، عليهم السلام، طُبع منه جزآن في النجف الأشرف برعاية سماحة الشيخ علي منصور المرهون رحمه الله، الذي كان دائم التشجيع لها، الجزء الأول في 119 صفحة، والثاني في 112 صفحة، والثالث لا يزال مخطوطًا.
أبناؤها
الأمومة تربة الإبداع، أبدعت أمومة فهيمة فكان من نتاجها ابنتها الخطيبة الحسينية والشاعرة، سلمى معتوق الشبيب، المعروفه بـ"أم بدر" الشاعرة كذلك، وتركت ديواني شعر مخطوطين بعنوان "أشجان وأحزان"، توفيت في 6 جمادى الأولى 1415هـ.
ابنها الشاعر سعيد معتوق الشبيب، المعروف بـ"أبو حمدي"، ترك خلفه تسعة دواوين، وكان ذا بصمة مميزة في محافظة القطيف، توفي في 29 ربيع الأول 1443هـ.
ابنها الأخير جعفر معتوق الشبيب، من الناشطين على المستويين الاجتماعي والديني، ومن الداعمين لمشاريع الخير، توفي في 24 ذي الحجة 1442هـ.
وفاتها
عانت فهيمة في أيامها الأخيرة، من مرض ألم بها، وأرقدها الفراش في مركز الظهران الطبي، وتدنت حالتها الصحية، وفقدت قدرتها على الكلام بسبب الأجهزة، فكتبت وثيقة بخط يدها، وكشفت الوثيقة التي كتبتها عن مجموعة وصايا لأبنائها.
تضمنت: سؤال أولادها عن دين عليها لعبد الوهاب بو صالح عبارة عن 80 ريالًا، وهل قاموا بوفائها أم لا؟، وعبد الوهاب بو صالح، كان تاجر أقمشة في القطيف له معرض في سوق مياس، وكانت تشتري منه أقمشة لتبيعها وتتكسب منها، إقرارًا منها بأن في ذمتها لابنتها سلمى دينًا عبارة عن 100 ريال، والذي لا تتذكر إن كان الدين لابنتها سلمى كان في شهر رجب أو شعبان، وصية لابنتها سلمى لتطلب من ابنتها حليمة أن تذهب لخالها علي سلمان الشبيب وتبلغه سلامها، خبر خروج مريضة كانت معها بنفس الغرفة، وأن أولادها وبناتها أتوا إليها.
توفيت فهيمة "رحمها الله" في يوم 8 من شهر صفر 1397هـ، بعد وفاة زوجها بعام واحد.
طلبتها
يتذكر علي حسن اليوسف (أبو حسنين) أنه تتلمذ على يدها ما يقارب سنتين ونصف السنة، وكذلك أمه نعيمة عبدالله المحيشي (أم علي) تتلمذت هي الأخرى على يدها، وهو ختم القرآن بكامله، يقول: "المعلّمة فهيمة، رحمها الله، كانت حنونة جدًا وعطوفة علينا جدًا".
وأضاف: "كنا نتعلم عندها القرآن عصرًا، وكنا نجتمع في عريش واسع، وعندما ننتهي، تأتي لنا بدفتر أبو 100 ورقه، لونه أسود، وتُملي على من يستطيع الكتابة أشعارها وهو يكتب، وانتابني نصيبُ من ذلك يومًا، فأملت علي شعرًا وكتبته لها فيه، لا أتذكره جيدًا، لكنه كان رثاء في الإمام الحسين عليه السلام".
وتصفها أنيسة منصور الحرز (أم حمدي)، والتي تتلمذت على يدها مع زوجها (أبوحمدي)، بأنها كانت مؤمنة وتقية ومعلمة أجيال وحنونه وعطوفة، لا تفوتها الصلاة، وتوقظ جيرانها لصلاة الفجر.
وتسترجع ذاكرتها بقولها: "كانت تعلمنا إضافة إلى القرآن، الطهارة والاغتسال والصلاة، وتعلمنا باللغة العربية الفصحى، وتُلزمنا القراءة بالحركات وتشدد على ذلك، حتى أصبحت لغتنا سليمة، تتلمذت على يدها أخواتي أم إحسان وأم مجدي، والكثيرات من ملالي أم الحمام".
وتتذكر أنيسة أنها كانت رحمها الله، عندما تأكل من عاطفتها وحنانها تجعل الدجاج والطيور تأكل معها، وتقطع لها الخبز حتى تستطيع التقاطه، وتقول: "عاطفتها كانت جياشة شملت الكبير والصغير وحتى الحيوانات".




بدر الشبيب

أحد طلبتها.. علي حسن يوسف آل يوسف



