13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

عاشوراء.. ماذا علَّمتنا؟

تطل علينا عاشوراء كل عام بفكرها الوضاء لترسم لنا على لوحة الحياة خطوط الالتقاء، وتطل علينا من نافذة المستقبل المرجو لتنثر على رؤوسنا من أعالي بنائها نثار الأمل. ملحمة كربلاء مليئة بالأحداث التي لها وقع مؤلم، نستخلص منها الدروس ونستمد منها العظات العظيمة، فنشعر بالسمو والغنى؛ لأننا وجدنا في نور الحسين ما يخفف عما يثقل صدورنا، ويتعب قلوبنا، ويربك حياتنا من همٍّ وأسى؛ فنستعيد به الأمل إلى قلوبنا، فتطمئن النفوس الطاهرة والقلوب التي تيّمها حب الحسين، لقد قدَّم الإمام الحسين (ع) للبشرية أعظم التضحيات والفداء؛ لتكون هدىً يضيء لهم طريق الاستقامة والنجاح، من أجل الثبات على طريق الهدى والرشاد.  

فماذا علّمتنا عاشوراء الحسين من دروس؟ وماذا أعطتنا من عبر؟ لقد كان أول درس نتعلمه من ملحمة عاشوراء هو أن نستقوي بالله -عز وجل- ضد العدوّ اللدود وهو النفس والهوى والشيطان، وأن نلتمس في حركة الحسين سبيلًا للإباء والعزة والكرامة.

- في أيام الحسين تعلَّمنا فلسفة الوجود، كيف نحيا؟ وكيف نعيش؟ وفيمَ نفكر؟ وفيمَ نهتم؟ وما الغاية من وجودنا؟ وإلامَ منتهانا؟
- في أيام الحسين تعلَّمنا أن الكلمة الطيبة والقلم الموجه للخير والفضيلة والمواقف البطولية لنصرة الحق وأهله والعمل في وجوه البر والإحسان وبذل المال والوقت، وأعظم من كل ذلك تهذيب النفس ومجاهدة الهوى وغيرها الكثير كلها تدخل في نطاق الحركة الحسينية. 
- في أيام الحسين تعلَّمنا أن خط الحسين يحتاج إلى قلوب مضاءة بأنوار الحب للإنسانية وبأنوار العشق للمبادىء والقيم الحسينية، فالحسين (ع) ألطافه موجودة وأنواره ساطعة دومًا، هذه الألطاف وهذه الأنوار التي تُوصل المؤمن إلى جناب القرب من الله، وهذه هي العزة الحقيقية.
- في أيام الحسين تعلَّمنا أن الحياة بالقهر والذُّلِّ هيَ الموتُ بعينيه، حين أبى أن يُعطي بيده إعطاءَ الذليلِ.
- في أيام الحسين تعلَّمنا الصبر، فالصبر على تحمل الشدة والبلاء والرضا على ما قدَّر الله وقضى من غير جزع ولا شكوى، حين وقفت الحوراء زينب (ع) على جسد أخيها الحسين ترمق بطرفها إلى السماء قائلة: "اللهُمَّ تقبّل منّا هذا القربان من آل محمد لوجهك الكريم".
- في أيام الحسين تعلَّمنا عندما تنحرف الأمة عن خط الحسين (ع)، فمن البدهي أن تعصف بالمجتمع الإسلامي الفتن والفظائع والمشكلات.
- في أيام الحسين تعلَّمنا أن تأدية الصلاة في وقتها حتى في أصعب المواقف المأساوية، حين سقط سعيد الحنفي صريعًا بسهام الأعداء، وهو يحمي الحسين (ع) وهو يصلي بأصحابه صلاة الخوف.
- في أيام الحسين تعلَّمنا أن لوعات فراق الأهل والأحباب صعب، تخلّف الوحشة والحزن الكبير، لكن ما إن نستحضر ما جرى لسيد الشهداء في واقعة كربلاء من ابتلاء نجد كل السلوى والعزاء؛ فالقلب متعلق بالحسين المعين على المحن.
- من غير الحسين كفؤ يمكن أن يقوم بالمهمة الجسيمة لوقف خط الانحدار والتدهور المريع في مبادىء الأمة والقيم الإلهية، والخروج من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن الجهالة والضلالة إلى الهداية والإصلاح، ومن الجور والظلم إلى عدل الإسلام.. نظل نتعلم ونقتدي بمنهج الحسين (ع) ورسالته إلى آخر العمر.. نتعلم من علمه وحلمه وشجاعته وورعه وتقواه، ولا نحيد عن خط الحسين، ولا نميل عن نهج الرسالة المحمدية.

وفي الختام، موسم عاشوراء من أفضل الأوقات لتهيئة النفوس، وإصلاح العقول، وحضور القلوب، أرجو ببركة الحسين (ع) وهو الرحمة الإلهية الواسعة أن يكتب الأجر الجزيل لكل الذين يسهمون ويتحمّلون العناء المادي والنفسي والجسدي في سبيل إحياء مبادىء كربلاء وقيم عاشوراء، وحثًّت على إحياء الشعائر الحسينية المتمثلة في حضور مجالس العزاء والبكاء والحزن والإطعام وباقي الشعائر الحسينية الأخرى، وأن يديمها تبارك وتعالى فينا وفي ذريّاتنا، والاعتزاز بما نحن عليه، قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فإنَّها مِنْ تَقْوَى القُلوبِ} (سورة الحج: 32)، قال الإمام الصادق عليه السلام: "أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا"(قرب الإسناد: ص 18).
نعم، بقي نور الحسين مشعًّا على مَدى الأزمَان، وبقي صوته نشيدًا يتردَّدُ في الأسماع.


error: المحتوي محمي