14 , يوليو 2025

القطيف اليوم

من تاروت.. الكابتن شكري آل قرانات من طفل يغامر بالسباحة إلى مدرب معتمد في الغوص العميق

الغوص هواية ممتعة وعالم مثير للاهتمام على الرغم مما تنطوي عليه من مخاطرة؛ فعالم البحر يحتاج عاشقًا لموجه ولونه الأزرق المترقق اللامع كحبات فضة منثورة على سطحه، لكن ذلك لا يكفي فالغوص في قلب البحر يحتاج إلى روح شجاعة ومُغامرة في رحلة السعي لاكتشاف جمال ذلك العالم وأسراره الدفينة.

البعض تشرق حياته بإشراقة الشمس والبعض تشرق بعشقه ومحبوبه الأبدي؛ فمن قصة صبي يلهو مستقيًا شغفه من والده، متتلمذًا على يده إلى قصة عشق وطموح استثنائية كذلك كان شكري محمد إبراهيم آل قرانات وهو أحد أبناء جزيرة تاروت الذي جمع بين المؤهل التجاري والعمل العسكري بالقوات الجوية وهواية الغوص في عالم البحار والمحيطات؛ ليجمع كذلك بين التدريب في البر والبحر فهو مدرب معتمد في وظيفته كما في هوايته.

اكتشاف الذات
يذكر "آل قرانات" في حديثه لـ«القطيف اليوم» بداياته مع السباحة والغوص قائلًا: "تعلمت السباحة في سن صغيرة في وقت لا زلت أكتشف نفسي والعالم من حولي في سن الخامسة؛ حيث كنت أجد في السباحة متعة لا تُضاهيها متعة برفقة أقاربي في حمام تاروت وعين تاروت (العين العودة)؛ ولم يكن أحد وقتها ليعلم أن اللون الأزرق الذي يغطي خريطة العالم سيكون شغفي ومحور حياتي وأكبر طموحاتي".

قصة عشق
ينتمي "آل قرانات" إلى جزيرة اللؤلؤ والأسماك؛ جزيرة تاروت الساحلية بتاريخها العريق وموروثها الثقافي المرتبط بالبحر؛ فهو من عائلة اتخذت من الصيد مهنة لها؛ فقد كان يرافق والده في رحلات الصيد وهو طفل في عمر السابعة برفقة ابن عمه حتى أصبح سباحًا ماهرًا يقضي ساعات طويلة في السباحة داخل البحر كما أصبح والده يعتمد عليه في مهام الصيد.

ولم يتوقف حبه للبحر بل ازداد تعلقه به يومًا بعد يوم حتى امتلك قاربًا مع أحد الأصدقاء في عمر الاثنين والعشرين ربيعًا.

الانطلاقة
التحق "آل قرانات" في البداية بتدريبات السباحة بـ(نادي الهدى بتاروت) في عمر الثالثة عشرة؛ حيث كان يتدرب يوميًا بعد عودته من المدرسة في مسابح الصالة الخضراء، مبينًا أن الأمر وقتها كان مجرد فضول وحب استطلاع حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم بفضل دعم والديه.

أولى مغامراته
يذكر "آل قرانات" أن والده غافله ذات يوم في رحلة صيد ولم يأخذه معه، وكان حينها في سن الثالثة عشرة فما كان منه إلا أن قطع المسافة من منطقة الزور شمال تاروت إلى منطقة الخليج بين صفوى والعوامية سباحةً
بفكر المراهقين وتحديهم سعيًا للوصول إلى قارب والده، حتى وصل له في رحلة خارج حدود المعقول بدقات قلب متلاحقة، احتاج فيها إلى أن يسبح من الصباح إلى وقت الظهيرة حتى وصل أخيرًا وسط ذهول والده من مغامرته التي أجبرته لاحقًا على عدم تجاهل حب ابنه للبحر مرة أخرى.

غواص معتمد
وأوضح "آل قرانات" أنه يوجد العديد من المؤسسات والمنظمات التي تقدم شهادات الاعتماد في الغوص والإنقاذ؛ ولعل أبرزها نظام بادي والاتحاد العالمي للغوص (PADI) والعديد من الاتحادات الأخرى المعترف بها دوليًا، مضيفًا: "سعيت في البداية للحصول على شهادة مدرب سباحة معتمد من منظمة SSI الألمانية الدولية، ثم تلتها شهادات أخرى مثل شهادة اعتماد مدرب مدربي سباحة من الاتحاد العربي، شهادة مدرب غوص معتمد من منظمة (PADI) العالمية برتبة عضو هيئة تدريس وتطوير، دورة إعداد مدربين PADI (IDC STAFF)، مدرب غوص معتمد من منظمة SSI الدولية، مدرب إسعافات أولية وثانوية، مدرب إنقاذ وسلامة مائية مسابح وشواطئ معتمد من الاتحاد السعودي للإنقاذ والسلامة المائية (S.L.S.F). بإلاضافة إلى شهادة مدرب إنقاذ وسلامة مائية مسابح وشواطئ معتمد من الاتحاد الدولي (ILS)؛ وذلك لكوني مدربًا بالاتحاد السعودي وكثرة حالات الغرق والوفيات في المسطحات المائية ومن باب الحس بالمسؤولية أخذت على عاتقي مهمة الإنقاذ والسلامة في الماء وأولوياتها أهمية بالغة، وأخيرًا شغلت منصب مسؤول ومفتش فني بالاتحاد السعودي للسباحة".

جيلًا بعد جيل
اكتشف "آل قرانات" بذرة حب البحر في أبنائه فسقاها حتى نمت؛ يقول: "وجدت في أبنائي حب السباحة فلم أتردد في تعليمهما وتشجيعهما على هذه الهواية؛ حيث حصل ابني الأكبر (منتظر) على دورة (غواص مبتدئ) تحت إشرافي في سن التاسعة وأُصدرت له رخصة الغوص في سن العاشرة وهي السن القانونية لإصدار الرخصة وذلك قبل ثلاث سنوات، وكذلك ابني الأصغر (محمد) لحقه في تعلم الغوص في سنه الصغيرة؛ أما البنات فلم يستهوهن عالم البحار".

لغة تحت مياه البحر
أوضح "آل قرانات" أن الغواصين يستخدمون مجموعة من الإشارات اليدوية والحركات للتواصل في الماء، وتعد هذه الإشارات مهمة للتواصل بين الغواصين وتبادل المعلومات أو إبلاغ الطوارئ أو التنسيق أثناء الغوص. ونوه بأن هذه الإشارات تختلف قليلًا بين المؤسسات والدول المختلفة، ولكن هناك بعض الإشارات الشائعة المعترف بها عالميًا مثل رفع الإبهام للأعلى للدلالة على أن "كل شيء بخير".

مدن الغوص الساحرة
لطالما كان الغموض والتفاصيل الساحرة القابعة في جوف البحر تجذب "آل قرانات" لخوض غمار الغوص في مناطق مختلفة مستكشفًا الجانب البيولوجي والجغرافي للمحيطات والكائنات الساكنة في تلك البقاع، مبينًا أن بحر شاطئ منتصف القمر (الهاف مون) يُعد وجهة الغواصين كهواة أو محترفين على حد سواء. كما تُعد مدينة ينبع واحدة من أفضل الوجهات لمحبي الغوص في المملكة ويُسميها عشاق الغوص بالجنة لما تتميز به فمياهها زرقاء صافية بشكل مثالي؛ مما يسمح برؤية المناظر والحياة البحرية بوضوح لذلك هي تجذب الغواصين من جميع أنحاء العالم. وكذلك هي منطقة غنية بالشعاب المرجانية المليئة بالألوان والتضاريس المتنوعة والكهوف والشقوق والممرات المرجانية التي توفر فرصة للاستكشاف، وتزخر بالأسماك المختلفة والأحياء البحرية الأخرى.

وأشار إلى أن "أبو قلاوة الحربية" من أشهر المناطق الغنية بالشعب وشبه الكهوف المتعددة والمرجان وكذلك شعب الأخوات السبع (seven sister) والنيمو قاردن الغنية بالحياة البحرية، أما المواقع المميزة للغوص في مدينة أملج فهي جزر فرسان وجزيرة "أبو علم" وجزيرة الكثبان.

وأضاف: "نتوجه كثيرًا للغوص بالجبيل وتحديدًا في جنا وجريد"، مشيرًا إلى أن مدينة الجبيل تعد وجهة ممتازة لمحبي الغوص بالمنطقة الشرقية لأنها تعد من الأعماق المسموح بها للغوص. كما تتوفر في قيعانها الشعب المرجانية وإن كانت تعد قليلة. وربما تعد هجرة القرش الحوتي في المياه المحيطة بالجبيل من أبرز الأحداث الطبيعية التي يمكن للغواصين مشاهدتها والاستمتاع بها؛ فهي فرصة للتفاعل مع هذا الكائن الضخم والسباحة بجانبه والذي يمكن رؤيته خلال شهر سبتمر وحتى نهاية نوفمبر، إضافة إلى تجربة الغوص في البحر الأحمر بجدة حيث تعد الشعاب المرجانية فيه الأكثر تنوعًا وجمالًا في العالم؛ ولذلك فهو من أفضل وجهات الغوص عالميًا؛ و يتميز بمياهه الزرقاء الصافية وعمقه المفتوح مما يعني أن هناك فرصًا لا نهائية للاستكشاف؛ كما يتميز بتنوع هائل بالحياة البحرية.

وذكر أنه يوجد به مواقع غوص شهيرة لسفن غارقة تعود إلى أزمنة قديمة تحتوي على حطام السفن والأطلال التي تشكلت عليها الحياة البحرية مما يوفر تجربة فريدة للمهتمين باستكشاف السفن المغمورة والتاريخية، لافتًا إلى أنه مما يميز بحر جدة عن غيره توفر المنتجعات الكثيرة التي بها مراكز غوص مما يسهل على هواة الغوص الاستمتاع بممارسة هوايتهم فيها بأي وقت دون الحاجة للإبحار بمركب. وكذلك الغوص ببحر حقل الذي يعد من أنقى الأعماق وأكثرها صفاء للاستمتاع واستكشاف الحياة الطبيعية فيها.

مغامرات خطرة
بعض المغامرات تكون مدروسة وبعضها الآخر يأتيك مباغتة في مواجهة مع الطبيعة وجهًا لوجه؛ ويحدثنا آل قرانات عن رحلاته قائلًا: "يجب على الغواص أن يكون حذرًا ومتيقظًا ويجيد التفكير والتعامل مع الظروف المختلفة تحت الماء، كما يجب أن يكون على تواصل مع مجموعته ويتبع الإجراءات وبرتوكولات السلامة؛ ففي إحدى الغواصات في مدينة ينبع كان الجو رائعًا والأحوال الجوية مؤاتية للغوص، لكن بعد انطلاقنا بالقارب لمدة ربع ساعة، تلقينا اتصالًا من حرس الحدود بتبدل الأحوال الجوية طالبين منا أخذ الحذر والحيطة، وفعلًا انقلب الطقس بين طرفة عين وانتباهتها وامتلأت السماء بالسحب وثار البحر واضطرب، وصرنا في صراع مع الأمواج العاتية التي أخذت تعلو القارب وتضربه بغضب ولكن لحسن الحظ أن قائد القارب كان محترفًا في القيادة؛ فأخذ يحاذي الأمواج بشكل جانبي إلى أن وصلنا إلى وجهتنا المنشودة؛ ورجعنا بعدها سالمين بأعجوبة، ربما تكون هي دعوات أم حنون بحفظ الله ورعايته لنا في ذلك اليوم الصعب".

وأشار إلى أن المدربين يفضلون السباحة معاكسين التيار حتى يكون طريق العودة مريحًا ولا يضطر السباح لمصارعة الماء مما يشعره بالإجهاد ويشكل خطرًا عليه.

ويستذكر "آل قرانات" بعض حكاياته مع الغوص قائلًا: "كنت في إحدى الغوصات في منطقة الجبيل في تدريبات (دورة متقدمة للغوص العميق) ونزل الفريق إلى الماء ووجدنا أنفسنا نسبح مع التيار فقررنا العودة، وللاستفادة من وجودنا في الموقع قررنا أن ندرب المجموعة على الغوص، بعدها ببرهة وجدنا أمامنا بلا سابق استعداد عابرًا الحدود والمحيطات القرش الحوتي في وقت سابق لهجرته، حيث اجتاحتنا كمدربين سعادة غامرة وكانت قلوبنا ترقص فرحًا بهذا المنظر الأخاذ، بينما كان بعض المتدربين في حالة ذهول من حجمه الذي يقارب الثمانية أمتار، كانت هذه بالنسبة لي من أجمل الغوصات وأسعد الذكريات".

ولفت إلى أنه في جعبته العديد من قصص الإنقاذ التي كان آخرها غرق طفل في عمر السنتين من إحدى الجنسيات العربية زحف من الشاطئ إلى البحر وهو يلعب في غفلة من والدته التي كانت تراقب باقي إخوته، حيث لمحت شيئًا يتحرك مع الأمواج فقفزت بسرعة وأخرجته والحمد لله كان بخير وسط فزع والديه وبكاء أمه، وطلبت منهما أخذه للمستشفى للتأكد من سلامته من الغرق الجاف الذي يعني احتباس ماء داخل الرئتين مما يشكل خطرًا مميتًا في حال عدم علاجه".

جوائز وميداليات
حصل آل قرنات على الميدالية الذهبية مرتين على التوالي في بطولة الأساتذة بالدمام العام الماضي والذي قبله. كما حصل على الميدالية الفضية في لعبة الفراشة هذا العام على الرغم من أن تخصصه لعبة الصدر كما يقول لكنه لا يمانع أن يدخل أي تحدٍ.





error: المحتوي محمي