13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

الفايبرومالجيا «اضطراب المعاناة الخامد»

منذ زمن والنظريات العلمية تتوالى لمعرفة حقيقة الفايبرومالجيا وهل هي أعراض جسدية حقيقة أم نفسية، فقد كان يُعتقد لزمن ليس ببعيد أنها عبارة عن اضطراب يُصيب الجهاز العضلي الهيكلي ولكن الدراسات الحديثة رجّحت أنها حالة تصيب الجهاز العصبي والحيوي وتُغير من طبيعة التفاعلات الكيميائية الحيوية فيها.
قد يكون من أهم الأعراض التي يعاني منها مريض الفايبرومالجيا جنبًا إلى جنب مع الإحساس بالألم المنتشر على نطاق واسع في الجسم هو الشعور بالإرهاق وقد يتفوق حتى على شعور الألم أحيانًا.
يجد مريض الفايبرومالجيا صعوبة في أداء المهام الروتينية اليومية حتى تصل أحيانًا للمهام البسيطة جدًا منها وعلى الأخص الأمور التي تتطلب تركيزًا وقدرات ذهنية، فيبدأ بالشعور بصعوبة في التركيز، تراجع في الذاكرة، قلة الانتباه، الارتباك، وصعوبة في اتخاذ القرارات واختيار المفردات المناسبة للتعبير أحيانًا في بعض المواقف.
علاوة على ذلك قد يتفاقم شعور الشخص بالإعياء والإرهاق عندما يحتاج لإنهاء أكثر من مهمة في نفس الوقت لأنها عادةً تحتاج لوقت أطول لإنجاز أي مهمة سواء تتطلب لمجهود بدني أو ذهني مقارنةً بالأشخاص العاديين.
ونتيجة لذلك فإن التعب الناتج عن الإرهاق الجسدي يؤثر على كفاءة عمل الجهاز المناعي العصبي والذي يساهم في تغيير نمط الحركة والاستجابة للألم وهذا ما يؤدي إلى تقليل النشاطات اليومية لتجنب الانزعاج من الألم.
وقد وجدت الدراسات مؤخرًا أن هنالك علاقة بين إصابة الأفراد بالفايرومالجيا عندما يعاني الأهل من نفس المشكلة مسبقًا وهنالك نظريات تدعم دور العامل الوراثي فيها.
والمثير للاهتمام أن جزءًا من معاناة الأبناء المصابين قد يكون ناتجًا عن تجارب الطفولة المؤلمة والسلبية خصوصًا عندما ينشأ الطفل في بيئة غير صحية نفسيًا ويضطرب من شخصية أحد الوالدين غير المستقرة أو مشاكل الوالدين العائلية أو من الانفصال بينهما ومعاصرته لبعض المشاكل المجتمعية كالتنمر في غياب ملاحظة الآباء لذلك.
الجدير بالذكر أن تطور مناطق الدماغ ونضوج جميع القدرات المعرفية تتبلور بشكل أوضح ما بين مرحلة الطفولة لسن البلوغ ولكن عندما يتعرض الطفل في هذه الفترة لصدمات الطفولة السلبية فقد تتأثر حينها بعض مناطق الدماغ المسؤولة عن التركيز والتعلم والمشاعر وبالتالي لن تتطور بالشكل الطبيعي كما هو الحال لدى أقرانهم الأصحاء فيصبح عندها هؤلاء الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات المزمنة بما فيها الفايبرومالجيا.
ولهذا من الأعراض المهمة في الفايبرومالجيا الصعوبة في التحكم بالمشاعر والسيطرة على الأمور التي تتطلب قرارات مصيرية وعدم المقدرة على التعبير عن المعاناة بمعناها الحقيقي، وكذلك عدم القدرة على التعامل والتكيّف بشكل سريع مع المتغيرات المجتمعية والبيئية من حولهم ولهذا العديد منهم يلجأون للعزلة والهدوء حتى تقل عنهم المتطلبات الذهنية والجسدية خلال التعاطي مع الآخرين مما قد يهيج شعورهم بالألم والإعياء.
كما أن عدم فهم الآخرين لوضعهم الصحي بالصورة التفصيلية واتهامهم بكثرة الشكوى والمبالغة في وصف المعاناة والبطء في الاستجابة للمهام الحياتية يجعلهم يفقدون الإحساس بالذات ويشعرون بالاكتئاب في ظل غياب الدعم الأسري والمجتمعي من حولهم.
وقد تكون المعلومة الغائبة عن البعض أن الألم والإرهاق شبه الدائم يجعل من الصعب على الدماغ معالجة المعلومات وحل المشكلات بشكل منطقي وسريع وبالتالي قد يستطيع الشخص منهم إنجاز كل المهام ولكن بطريقة أبطأ وأقل كفاءة ودقة من الآخرين.
فعدم التفهم للحالة النفسية المرتبطة بالوضع الصحي للمصابين بالفايبرومالجيا سواء من الأهل أو حتى الممارس الصحي سبب رئيسي لمعاناتهم المستمرة وتفاقم المشكلة الصحية للأسوأ.
وقد يزيد أمر المعاناة عندما يشعر المريض أن المقربين منه يعتبرونه وصمة عار بسبب شكواه المبالغ فيها والتي قد تكون باعتقادهم وهمية خصوصاً أن تشخيص هذا المرض لا يعتمد على نتائج أشعة أو تحاليل.
ونتيجة لذلك يلجأ البعض للعزلة الاجتماعية والانفصال الأسري رغبةً منهم لأن يمر ما تبقى من اليوم بسلام لأن كل يوم يمر عليهم يحتاج لطاقة ومجهود مضاعف لأداء الأمور الروتينية البسيطة في بعض الأحيان.
فلا نعتقد أن صمتهم أحيانًا هو شعور بالراحة بل قد يكون بركانًا خامدًا قد يتهيج في أي لحظة.
فرفقاً بهم وبمعاناتهم الصامتة.


أخصائي أول عظام علاج طبيعي/ هبة الحبيب


error: المحتوي محمي