13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

وجوه لا تنسى.. الملاية أم نوح الجارودي

كانت الساعة تشير إلى الرابعة من مساء يوم الأربعاء حينها كان الأربعاء آخر أيام الأسبوع الدراسي وفي هذا الوقت تأخذنا أمي حفظها الله بيت جدي بالفريق الشرقي، أنا جاهز وأمي ليست هنا! أين هي الرؤوم؟! إنها في بيت أم نوح الجارودي "تتسمع عزية"، دائمًا أسمع هذا الاسم يتكرر، من تكون تلك المرأة "الملاية" التي إذا أتى ذكرها يثنون عليها وعلى أخلاقها وأدبها وقراءتها على مصاب أهل البيت عليهم السلام.
الحاجة الخطيبة الحسينية فاطمة بنت عبدالله سلمان الجارودي ولدت في القديح في عام (1350- 1931)، هي واحدة من خطيبات القديح اللاتي قضين حياتهن في خدمة الدين وإصلاح المجتمع، تعتبر من البارزات في بلدها كخطيبة لامعة، تربت وترعرعت وحيدة في كنف أحضان والدين طيبين مؤمنين فرعياها أحسن الرعاية وأغدقا عليها الحب والعطف والحنان، وزرعا فيها الاعتماد على الذات والقيادة، والأهم صلابة الإيمان وحب أهل البيت عليهم السلام، أكسبتها تلك البيئة البر والتقوى والعمل الصالح.
منذ كانت طفلة كان والداها يشجعانها على التعلم وقراءة القرآن، وهذا ما حدث فأرسلها والدها للتعلم لدى المعلمة الخطيبة بنت عيد ثم التحقت بالخطيبة أم حسين الحجر وقرأت ضمن جماعتها، وتفوقت في دراسة القرآن وحفظه حتى أتقنت فنون الخطابة وأجادت تعلم كتابي الوفاة والفخري ولما رأت في نفسها الاستمرار والمزيد من التطور والإنجاز.
بدأت التدرب على القراءة مع مْعَلمتها كما هو معتاد في مثل حالاتها ثم بدأت مسيرتها في تطوير مهاراتها بالممارسة وصقل موهبتها بالتكرار وبتعليم من هن أصغر منها أو أقل منها مستوى، حتى استقلت بمفردها عام (1395- 1975)، بمجموعة خطابة جديدة وبدأت بتدريس الطالبات الصغار القرآن والخطابة.
تزوجت في سن مبكر من ابن عمها الحاج سلمان بن حبيب سلمان الجارودي وأنجبت منه أربع بنات أم علي حسن عبدالكريم الحميدي، وأم أيمن ملا علي المزين، وأم محسن حسن علي السودان، وأم ميثم منصور أحمد اللويف، ومن الأولاد: نوح، ويونس، وعقيل، وحبيب وأنجبت في سن صغير أيضًا وفقدت عددًا من بناتها في هذا السن الصغير بسبب أمراض تلك الحقبة وفي نفس الفترة توفي والدها، فزادت من الاعتماد على نفسها، وحرصت على تربية أبنائها، حيث إن زوجها أغلب اليوم يعمل خارج البلدة.
وللمرحومة أم نوح شهرتها وصِيْتها في الروح الإنسانية والخطابة الحسينية كان لها جانب آخر؛ رعايتها لأبنائها وبناتها وتعزيز اللُحمة بينهم مع غرس القيم الحميدة فيهم والاعتماد على أنفسهم مع إعطائهم الاستقلالية حتى بحمد الله وشكر نعمائه أصبح كل بناتها خطيبات وأبنائها ذوي خلق كريم، وليس هذا فحسب بل كانت ترعى أقرباءها وتصل رحمها وكانت حريصة جدًا على زيارتهم حتى أصدقائها ومعارفها حيث كانت محبوبة من الجميع.
ومن المفيد أن نشير إلى أنها كانت تكسب لقمة العيش وتساند في ذلك زوجها حيث امتهنت بيع ما تحتاجه النساء من ملابس وأقمشة، وأدوات زينة، وأدوات منزلية وفخار وغيرها، ورغم انشغالها بأمور البيت والأولاد والخطابة وتعليم القرآن والبيع والشراء إلا أنها كانت محافظة على أداء الحج والعمرة وزيارة النبي والأئمة عليهم السلام.
توفيت يوم 1431/5/25هـ، أصبح صدى وفاتها أثر بالغ وفقد أليم حيث شيعت تشييعًا يليق بها وبمكانتها الكريمة ولا يزال الكثير يتذكر عنها دماثة الخلق وحسن الجوار باذلة كل ما تملك في سبيل الله وآل البيت عليهم السلام، فرحمك الله يا أم نوح رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته إنه سميع مجيب.


error: المحتوي محمي