43 ليسا مجرد رقمين متعاقبين يلحقان ببعضهما، الـ43 هي دلالة عمر آخر لابن الـ18، عمر لانتماءٍ جديد، ومقياس لعمر مهنة لمقيم اتخذ من إحدى القرى بلدته، واقترب من ناسها حتى اعتبرهم أهله الجدد في غربته، الـ43 تعني لـ"هزاع" تاريخ الارتباط بينه وبين أهالي "القديح".
في واحدة من سكك تلك القرية ستجد لوحة قديمة تقرأ بعض حروفها وتتكهن بالبعض الآخر، "خياط القديح الحديث"، وإن كنت من أهلها ستعود بك ذاكرتك إلى حالة الفرح وأنت تستلم "ثوب" العيد، أو مشاعرك وأنت ترتقب أن تجلب ثوبك الأبيض من ذلك الدكان.
وأنت في انتظاره كنت طفلًا والطفل أصبح رجلًا.. وما زلت ترتدي ذات الثوب في المناسبات التي تطلبه كلباس رسمي لها.. وحده خياط ثوبك بقي على حاله، مازال يجلس أمام ماكينته، يفصل القماش بألوانه المتعددة الفاتحة، يخيطها، وينتظرك أنت وآخرين، ينتظر ابتسامة تعني رضاكم، محافظًا على حالة الصبر واحتمال طلبات الزبائن، ولكن مع تجديدات وتغيرات في دكانه، وأنواع جديدة من أفخر الأقمشة الكورية التي تميز بها دكانه.
"الخياط هزاع أحمد غالب" الذي جاء إلى القديح من اليمن، ليبدأ مشواره في خياطة الأثواب الرجالية، واليوم يتم 43 عامًا من مواصلة العمل، لم يغادر ماكينة خياطته، كما لم يغادر القديح إلا في أيام معدودات كل ثلاث سنوات ليزور أهله باليمن ويطمئن على أحوالهم.
دكان وماكينة
"هزاع" بعد أن سكن القديح شابًا بقي مزروعًا فيها كنخلة قديمة، لا تقبل المغادرة عن أرض زرعت فيها، وعلى الرغم من أن رياح التغيير التي هبت على القديح، شملت كل شيء، بما فيها دكانه، إلا أنه ما زال وفيًا لماكينته التي لازمته ثلاثين عامًا، وللأقمشة الكورية واليابانية، فهي برأيه من أنسب الأقمشة لصناعة الثوب.
ويذكر لـ «القطيف اليوم» أنه رغم صغر دكانه في ذلك الزمان، إلا أنه كان لديه خمسة خياطين، يعاونوه على تلبية طلبات الزبائن المتزايدة، خاصة في المواسم والأعياد، أما الآن فاتسع المكان وتبدل الحال، ولكن قل عدد المساعدين.
وعن سبب عدم مغادرته للقديح والانتقال إلى منطقة أخرى، قال: "القديح ناسها طيبون، وجميعهم أصحابي، وليسوا مجرد زبائن، أعرفهم جميعًا وعوائلهم وأبنائهم، فهم عشرة العمر".
منافسة
ولأننا في زمن يركن أهله للسرعة ولكل ما هو جاهز أمامه، فإن بعض العلامات التجارية المعروفة أدخلت الثوب الرجالي الجاهز ضمن إنتاجها، قبل سنوات، وأصبح للثوب الجاهز زبائنه، وعلى الرغم من ذلك فإنه كخياط ثياب رجالية بقي صامدًا.
وحول ذلك، أوضح "غالب" أنه رغم توجه الجيل الجديد من الشباب إلى الأثواب الجاهزة، إلا أن التفصيل يكسب المنافسة، فأغلب الناس يفضلون التفصيل أكثر، لأنه يطابق المقاس، وكذلك درجة اللون الأبيض أو الأصفر التي لا تتوفر في الجاهز، فرغم وجود ألوان جديدة إلا أن الأبيض سيد ألوان الثوب.
تميز
"هزاع" في القديح سمة من سمات التميز، وكأنه علامة تجارية خاصة التصقت بالثياب الرجالية متقنة الخياطة وذات الجودة في القماش.
وعن أسباب تميزه عن غيره من الخياطين، يرجع أحدها إلى ذلك العمر الطويل الذي قضاه في القديح، حتى أصبح واحدًا من أبنائها، يعرفهم جميعًا، كذلك دقة المواعيد، والالتزام بتنفيذ رغبة الزبائن.
السلام
وفي الختام، وجه الخياط هزاع السلام عبر «القطيف اليوم» إلى أهله في اليمن، حيث تقيم بناته الثلاث وابنه الوحيد، وصهره عبد السلام في صنعاء، متمنيًا أن يلقاهم على خير في موعد إجازته المقبل بعد عام ونصف العام من الآن.
[banner id="174787" caption_position="bottom" theme="default_style" height="auto" width="auto" show_caption="1" show_cta_button="1" use_image_tag="1"]
فيديو:



