13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

العصا والجزرة

العصا والجزرة أو مبدأ الثوابِ والعقاب، هو تعبيرٌ مجازي ظهر في أوروبا عندما كان الأوربيونَ يروضونَ البغالَ والحمير باستخدام العصا والجزرة؛ بحيث يتم مسك الجزرة بيدٍ ووضعها أمامَ الحمارِ والعصا بيدٍ أخرى، فسيسيرَ الحمارُ إن أحبَّ الجزرة وإن عصى فله العصا أو تُربط الجزرةُ على عصا وتترك أمامَ الحمارِ ليستمرَّ في السيرِ ظانًا أنه سيصل للجزرة.

رمزية العصا والجزرة يفهمها الإنسانُ الذي اخترعها، لا يطيع الإنسانُ اللهَ إذا لم يخافَ العقاب ويرجو الثواب، لا يعمل بكلِّ طاقته إن غابَ عنهُ الرقيب ويؤدي الحدَّ الأدنى من الواجبِ إذا لم يظن أنَّ المكافأةَ تكون أكبر، جدليةٌ تشمل كل نواحي الحياة. بعض الجزر والعصيِّ يقتصر نفعها أو ضررها على الفردِ وبعض الجزر والعصيِّ تتوزع على المجتمع أو أبعد. عندما تغلق الناسُ في الليلِ أبوابها من يدري سوى الخالق أنهم يركعونَ ويسجدونَ أو يغنونَ: هاتها يا صاحِ! لكن الناس عندما يخرجونَ من أسوار بيوتهم ينظرون خلفهم وأمامهم يتحسسون العصيَّ أكثر مما يتمنون الجزر. لا ينتظمون في صَفٍّ أو ينقادونَ لقانون ينجيهم من المخاطر إلا عندما يدركونَ ألمَ العصا، ويحسونهُ في مقابلِ الجزرةِ التي قد لا تكفي أو لا تكونَ حلوةَ المذاق.

ماذا عن الدافعِ الذاتي من الجمالِ والقبحِ في الحاجةِ إلى العصا والجزرة وماذا عن مبدأ الصفرِ الذي يقضي بأن المجتمع يتبادل الجزرَ بين بعضه البعض؟ بعض الأفعال التي تتعدى الفردَ في السلامةِ والمعاملة تحوي درجةً من الجمال إذا التزمَ بها الفردُ وتتضمن درجةً من القبحِ إن خالفها، وإن غابت العصا والجزرة. يكفي أنني إنسانٌ لأدركَ أن الحقوقَ والأنظمةَ العامةَ يشترك فيها الجميع ويعم نفعها وضررها الجميع. ومبدأ الصفر يعني أنني سوفَ أعطيكَ الاحترامَ والرفعةَ التي سوف تردها لي في وقتٍ آخر. وعندما أحافظ على سلامتك في الشارع، ففي ذات اللحظة أنت تحافظ على سلامتي، لا يعنينا الجزر أو العصي بل ما هو أرفع من سمةِ الإنسانِ المتحضر.

عندما كنا صغارًا كانت الحمير وسيلةَ النقل التي يرتادها جل الناس في القريةِ ولم يحتج الناس إلى جزرةٍ وعصا تجبرهم وتقنعهم أن بقاءهم في الحياة لابد أن يكون الدافع الأقوى في الإنتظام. كان الحمار يعرف الحمارَ القادم ومدى سرعته ولابد لأحدهما من الوقوف حتى لا يموت أحدهما أو كلاهما. وعندما كبرنا نسينا بساطةَ المبدأَ الذي يقول "إن لكلِّ فعلٍ ردة فعلٍ مساوية له في القوة ومعاكسة له في الاتجاة". لا فخر لإنسانِ اليومِ في عدد الأحصنة التي يركبها من آلةٍ، إن لم يكن هو إنسانٌ يسيطر عليها في إنسانيته واحترامه دونَ الحاجة للثواب أو العقاب. تبقى المعضلة هي كيفَ تقنع من لا يحب الحياةَ ألا يذهب لجهنم؟ وإن ذهبَ لا يأخذكَ أو أحدًا آخرَ معه؟


error: المحتوي محمي