"لا اشتراط في خدمة الحسين ع"، فكل ما يأتي من ورائها حتمًا هو كثير وإن قل، بهذا المبدأ كان يسير طوال مدة خدمته، فكلما أعطاه أحد من يقرؤه أجرة مجلس أو "عادة"، أخذه دون النظر له أو عده، بل كان يقتطع جزءًا ليعيده لهم.
وفي جانبٍ آخر من شخصيته، كان يعتلي منبر الحسين بثقة "ناقل التاريخ" قبل أن يعتليه بشجي الراثي مصابه، فهو ما إن يبدأ حديثه فوق المنبر حتى تنتقل معه إلى حدث تاريخي يحكي لك قصة واحدة من المعارك التي خاضها أمير المؤمنين أو شارك فيها مناصرًا لرسول الله، وقد تجد نفسك قد ارتحلت ناحية عصر من عصور الحضارة الإسلامية، ما يفعله هو نقل لتلك الأحداث بأسلوب لا يمكن لك أن تمله أو يثقل نفسك.
ذلك ما امتاز به خادم المنبر الحسيني الملا أحمد الخميس، واحد من كنوز خطباء القطيف، ورائد المنبر الحسيني في سيهات، ممن بدأت منابرها تفتقد صوته بعد عمر دام في خدمتها يقارب 60 عامًا.
بدايته
تتلمذ الملا أحمد في بداية عمره في مدينته سيهات على يد الخطيب الملا المرحوم علي بن سالم (رحمه الله)، وهو واحد من أعلام مدينته، وله حسينية باسمه حاليًا.
وارتحل بعد ذلك إلى الحوزة العلمية في المسجد الهندي بالنجف الأشرف، ودرس فيها 10 سنوات تقريبًا، وكان من أساتذته في الحوزة العلمية في النجف الأشرف: العلامة السيد جواد الوداعي (رحمه الله) من أبناء البحرين؛ درس على يديه علوم الفقه، والعلامة الشيخ حسين زاير آل دهام؛ عراقي الجنسية، والشيخ حبيب الطرفي درس عنده علم اللغة العربية، والشيخ عبد الكريم بن محمد الزنجاني، وهو من أصل تركي، الشيخ علي المرهون رحمه الله.
خطابته
بدأ اعتلاء المنبر في عمر الـ14 تقريبًا، أي قبل دراسته في الحوزة، وكان قد بدأ ذلك كخطيب مساعد لأستاذه الخطيب الملا علي بن سالم (رحمه الله).
وقد توسم فيه أستاذه بن سالم نبوغه في الخطابة الحسينية، سيما بعد أن حفظ عنه الكثير من خطب نهج البلاغة للإمام علي "ع".
أما أول مجلس قرأه كخطيب منفصل، فقد كان في الشويكة: "بعد أن أرشده الملا عبد المحسن النصر للسيد باقر، وهو من أهالي الشويكة ومعروف بصناعة الحصر والمدد، فذهب إليه مع تلميذ كان يقدم له يسمى السيد سعيد بن السيد يحيى وهو مكفوف البصر، فوصل للمكان الذي يصنعون فيه الحصر ولم يكن السيد باقر موجودًا هناك، فاستقبلهما أخوه السيد حسن فسألهما: "ماذا تريدان؟"، فذاب من الخجل ولم يستطع الإجابة، إلا أن السيد سعيد قال: "نحن خدام الحسين"، فاعتذر لوجود عادة في تلك الليلة، فتذكر أحد المداحين الذي كانت تربطه معه صداقة فذهب إليه فقام مناديًا في المسجد ليعلن: "قارئ غريب"، فقام يقرأ وختم المجلس بمصيبة علي الأكبر ولطمية حازت على إعجابهم، وبعد أيام أخبره الملا عبد المحسن أن هناك جماعة من الشويكة يطلبونه للقراءة في محرم فقرأ عندهم ثلاث سنوات "1".
مجالسه
عُرف الملا أحمد في كثير من المناطق، وبدأت العديد من المجالس الاتفاق معه على قراءة العادات الأسبوعية في منازلهم، أو حجزه لشهر رمضان وشهري محرم وصفر، وقد خدم في بعضها أعوامًا عديدة.
وكان من بين مجالسه في سيهات حسينية الناصر، وحسينية السيهاتي وقد خدم بها أكثر من 30 عامًا، وحسينية ملا علي بن سالم، ومجلس الحاج عبد الله المطرود، أما من خارج سيهات فهناك مجلس الحاج صالح آل خميس، وبعض مجالس القديح والقطيف.
وكما تشرفت القطيف بمناطقها بشجي صوته في ذكر مصائب آل البيت، كان لبعض أحياء الدمام ومناطق الأحساء نصيب من ذلك.
أما عن قصة قراءته في الأحساء: "في عام 1958م استمع له أحد الأحسائيين من مدينة الحليلة فطلبه للقراءة عندهم، فقرأ هناك لمدة سنتين رغب بعدها في الذهاب للبحرين لأنها بلد الخطباء في ذلك الوقت، وفي هذه الأثناء أتاه رسول من الحاج علي السيهاتي يبلغه رغبة الحاج في قراءة ملا أحمد بحسينية السيهاتي؛ فوافق ولم يغادر للبحرين واستمرت قراءته لمدة جاوزت الأربعين عامًا". "2"
خطابته وشاعريته
يعد الملا أحمد الخميس رائد المنبر الحسيني بمدينة سيهات في وقتنا الحالي، وقد كان خطيبًا وإمام جماعة، وشاعرًا صدح بشعره في حب محمدٍ وآل محمد.
وللخطيب ديوان أصدر ونشر، وهو "الأسى في رثاء أهل الكسا"، كما كشف ابنه عن كتاب سوف يصدر قريبًا - إن شاء الله - يحمل عنوان "المجالس العاشورائية".
غاب ولم يغب
منذ أعوام قليلة، بدأت مجالسه التي اعتادت منابرها ملازمة صوته، تفتقد ذلك الصوت، وما عاد قاصدو تلك المجالس ينهلون من خطبه ومراثيه، فقد أقعده المرض عن مواصلة مسيرته الحسينية.
وعلى الرغم من ذلك فإنه يحاول كلما أسعفته الصحة أن يعود ببركة أهل البيت عليهم السلام، فهو لا يزال يقرأ ولكن بشكل محدود نظرًا لحالته الصحية، وكان آخر مجلس قرأه هو مجلس الحاج عبد الله المطرود -رحمه الله- في شهر رمضان الماضي.
من هو؟
الخميس هو واحد من أبناء مدينة سيهات، ولد عام 1352هـ، يبلغ من العمر ما يقارب 87 عامًا، قضى أكثر من نصفها خادمًا للحسين (عليه السلام)، حتى حالت ظروفه الصحية قبل أعوام قليلة دون مواصلته تلك الخدمة.
لديه من الأبناء 19 (من الذكور والإناث)، بينهم بنت واحدة سارت على خطاه وأخذت ميراث الخطابة الحسينية منه، وواحد من أبنائه بدأ المشوار ذاته إلا أن بعض الظروف الخاصة حالت بينه وبين إكماله طريق أبيه.
1،2// كتاب "خطباء المنبر الحسيني بسيهات"




