جدلية الأخلاق في كونها نسبية أو موضوعية مطلقة جدلية قائمة، حيث اختلفت المذاهب في إثبات إحداها مقابل إسقاط الأخرى. ونحن هناك لسنا بصدد فلسفة الأمر أو طرحه بتفصيل ربما يغرقنا في بحر لا خلاص منه، إنما نعرض بعض ما يمكن أن يوضح الحالة التي أصبحنا عليها والتي وصلت لتلك الأخلاق التي يطلق عليها مجازًا بالأخلاق التجارية.
ونود هنا أن نفند أمرًا مهمًا جدًا طالما يضربه الكثير منا كمثال يميز المجتمعات الغربية عنا بالأخلاق والتي وصلت لحد معايرة مجتمعاتنا الإسلامية بعدم تطبيق أخلاقيات الدين فيها، بينما هي مطبقة في المجتمعات الأخرى غير المسلمة.
والحقيقة غير ذلك تمامًا؛ فالمجتمعات اللاإسلامية تطبق ما درجت عليه من أعراف، وما ألزمت به القوانين الوضعية، وما تعلمته من سلوكيات ومبادئ لتصريف مقتضيات الحياة من معاملات وتعاملات اجتماعية بينية وخلاف ذلك، وهذه التعاملات موجودة أساسًا في كل المجتمعات، ولا علاقة لها بالدين والشرع والنواميس السماوية، ولكنها تختلف في حسنها وقبحها تبعًا لثقافة المجتمعات المتوارثة، وطبيعة متغيراتها، فالمجتمعات الغربية تحرص بطبيعتها على الالتزام بما درجت عليه واستحسنته، بل هي في تناسق اطرادي تتوارثه الأجيال، بغض النظر عن عدم ملاءمة بعض الأخلاقيات الغربية مع أخلاقياتنا وأعرافنا الشرقية، وليس بالضرورة أن تكون بعض أخلاقياتنا وعاداتنا المتوارثة حسنة أو حتى منسجمة مع الدين والشرع، فلطالما غلبنا بعض السلوكيات التي تتنافى مع الدين، والعكس صحيح، والأمثلة كثيرة.
لذا نقول: "إن المجتمعات الغربية لا تتميز عنا بأخلاقياتها النسبية أو المطلقة، فهي أساسًا قائمة على مصالح بينية تنتفي بانتفاء المصلحة، وأما الدائمة منها فهي قائمة على فرضية وجود القوانين الوضعية والتي يتميز الغرب بالالتزام بها خلاف ما نحن عليه.
إن الأخلاق والأعراف الشرقية، والعربية منها بالذات، هي أخلاقيات قويمة، وأعراف أصيلة، وإن كان البعض منها يتنافى مع الشارع الديني نسبيًا، ولكنها سوف تنسجم لاحقًا بالتدريج ومع الوقت مع الدين القويم. ولكن ما نعانيه في مجتمعاتنا الإسلامية هو التمرد على الأعراف والعادات والتقاليد والتي تكاد تكون في أغلبها متطابقة مع الشريعة، وتظن أن ذلك بسبب عدم توارث الأجيال لهذه العادات والتقاليد الحسنة، فنرى أنه في كل عقد من الزمان يأتي جيل مختلف تمامًا عن الجيل الذي يسبقه، وعادة ما يكون للأسوأ، فلا هو أخذ بالموروث الحسن والذي نحمل فيه جيل الآباء في عدم التزام أبنائهم به، ولا هم طبقوا الأخلاقيات السماوية الواجبة والمستحبة على اختلافها، حيث إن الدافع لاتباع ذلك ضعيف لدى أغلب الأجيال، وبصورة جلية، رغم وجود الوسائل الكثيفة والتي تبث وتنشر وتعلم وترغب في هذه الأخلاقيات العظيمة وليس.
فليس العيب إذًا في أنه لا يوجد لدينا أخلاق عالية قائمة، إنما العيب في أننا ربما اتبعنا أخلاق المصالح والتي تنتهي بانتهاء ما نستهدفه، وهي تمامًا تماثل الأخلاق التي نراها في تعاملات البيع والشراء، أو فلنقل الأخلاق التجارية، حيث الترغيب والترحيب من أجل الوصول للتعامل المصلحي، وهذه للأسف أصبحت مطبقة حتى في التعاملات الحياتية، حيث طغت المجاملات في التعاملات، وكأن الشارع المقدس لم يرشدنا للمنهج الأخلاقي الثابت والقويم والقائم على الصدق والقوامة والاستقامة، وبالتالي نشر الفضائل في المجتمع الواحد حتى يصبح مجتمعًا فاضلًا بأكمله، وتسوده الروح الإنسانية الحقة والتي يفترض أن تعم جميع المجتمعات على اختلافها، كونها تتخذ من مختلف النواميس السماوية منهاجًا لها، وذلك من آدم (عليه السلام)، وحتى الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيرًا.



