08 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

حين يفترق الزوجان المتحابان يبقى الحنين لأول منزل!

فكرة الناس عن الطلاق أنه لا يحدث إلا عن بغض وكراهية وشقاق لكن ليس ذلك ما يحصل في كلّ الأحوال!

الدنيا قسمة ونصيب، يتغير القلب ويتحول، يفترق المؤتلف ويَجتمع المتفرق. إسأل من حصل لهم مثل ذلك، هم كثيرون يقولون لك: ببساطة لم يحصل توافق وانسجام، لكن لا كراهية ولا عداوة.

جعل الله بابًا لمن أحب العودة، بعد أن تذهب السكرة وتأتي الفكرة، فكرة العودة إلى دخول الحياة الزوجية مع الشخص نفسه. الطلاق مهلة لمراجعة العقل والقلب لعلّ أحدًا منهم يعود!

أذكر لكم شاهدًا من التاريخ، مع أن القصص والحكايات في الحاضر كثيرة، لكنها تبقى شخصية، لا تقال ولا تنشر، وأصحابها يعرفونها.

قال الفرزدق يومًا لأصحابه قوموا بنا إلى مجلس الحسن البصري فإني أريد أن أطلق النَوار وأُشهده على نفسي فقالوا له: لا تفعل فلعل نفسك تتبعها وتندم فقال لا بد من ذلك فمضوا معه فلما وقف على الحسن قال له يا أبا سعيد تعلمن أن النوار طالق ثلاثًا قال قد سمعت فتبعتها نفسه بعد ذلك وندم وأنشأ يقول:

نَدِمتُ نَدامَةَ الكُسَعِيِّ لَمّا * غَدَت مِنّي مُطَلَّقَةٌ نَوارُ
وَكانَت جَنَّتي فَخَرَجتُ مِنها * كَآدَمَ حينَ لَجَّ بِها الضِرارُ
وَكُنتُ كَفاقِئٍ عَينَيهِ عَمداً * فَأَصبَحَ ما يُضيءُ لَهُ النَهارُ
وَلا يوفي بِحُبِّ نَوارَ عِندي * وَلا كَلَفي بِها إِلّا اِنتِحارُ
وَلَو رَضِيَت يَدايَ بِها وَقَرَّت * لَكانَ لَها عَلى القَدَرِ الخِيارُ
وَما فارَقتُها شِبَعاً وَلَكِن * رَأَيتُ الدَهرَ يَأخُذُ ما يُعارُ

كم من زوج يسكن غضبه بعد الفوران ويراجع قلبه؟ كم من زوجة تذكر أيام الوفاء والمحبة ثمّ تعود؟ الطلاق مراجعة نفس وليس مسافة زمنية للاستعداد لمعركة حربية. الطلاق نهاية مشاكل لا بداية مشاكل. إذا وجد الإنسان ذهنه أصفى وقلبه مستعدًا للعودة للحب الأول فما في ذلك عيب:

نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى * ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ
كَم مَنزِلٍ في الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى * وَحَنينُهُ أَبَداً لِأَوَّلِ مَنزِلِ

كيف تصفو النفس وتعود المياه تجري؟
لا تفكر أنك تخلصتَ من عدوّ لدود، إنما اختلفت مع حبيب. لا تنسى الفضل والمودة والأيام الحلوة. لا تستبدل الاحترام بالانتقام. لا تجعل من الأبناء خنادق حرب تفصل بين متحاربين، إنما جسور يمكن العودة عن طريقها. لا تذكر للأبناء مساوئ الماضي واذكر لهم الذكريات الطيبة.

{لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}! من يعمل بهذه الوصية؟ من يُبقى امرأته المطلقة في بيتها؟ من النادر أن تجد رجلًا شهمًا يقول لمن طلقها: البيت بيتك والدار دارك حتى نهاية المدة ونعرف ماذا يحصل! ثابت أن من الرجال من يقفل الباب ويرمي حاجات زوجته في الشارع!

ما الفائدة أن تبقى في بيت زوجها؟
من يدري ربما يتغير الحال ويتبدّل رأي الزوج في طلاقها. يذكر الأيام الحلوة ويميل قلبه إلى الالتئام وتعود المحبة إلى سابق الحال؟

إذا أصبحت الحياة الزوجية موتًا لا حياة فيه ما الحل؟ أعطانا الله حلًّا نعود عن طريقه بنفس المحبة مع الشخص ذاته أو مع غيره. من الأسف أن نرى من يعطي هذا الحلّ وجهًا قبيحًا مؤلمًا!


error: المحتوي محمي