13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

تعليق اليوم قد يصبح قضية غدًا

تبدأ القصة دائمًا من خانة التعليقات أسفل الأخبار والمقالات، تلك المساحة التي وجدت لإثراء النقاش وإبداء الرأي، لكنها تتحوّل أحيانًا إلى منصة لـ«الجرائم المعلوماتية» دون أن يشعر أصحابها.

بصفتي رئيس تحرير، أتابع يوميًا ما يكتب هناك، فأصادف تعليقات تهكمية وساخرة، وأخرى تتجاوز حدود اللياقة لتصل إلى مستوى الإساءة العلنية لشخص أو جهة.

بعض المعلّقين يكتفي برؤية صورة عابرة لفتاة في مكان عام بحجاب غير مكتمل أو زينة بسيطة، فيطلق أحكامه الجاهزة ويتطاول عليها علنًا.

وآخر يرى صورة شخص ظهر بالخطأ في مناسبة عامة، فيحوّلها مادة للسخرية، ويضيف تعليقًا يظنه «ظريفًا» بينما هو في حقيقته اعتداء على خصوصية الآخرين.

وليس الأمر مقتصرًا على المراهقين أو قليلي الخبرة بالأنظمة، فالمفاجأة أن بعض هذه التعليقات تأتي من أشخاص كبار في السن، متعلمين، بل وأكاديميين ومربين للأجيال. 

يكتب أحدهم باسمه الصريح جملة لا تخطر بباله أنها قد تصنف قانونيًا كجريمة معلوماتية يعاقب عليها النظام.

ومن الطرائف التي نصادفها أحيانًا، أن يتصل أحدهم محتجًا «لماذا لم تنشروا تعليقي؟!»، وما إن يتحدث قليلًا حتى ندرك أنه صاحب التعليق الذي حجب لكونه مخالفًا. 

ويكون المشهد أكثر طرافة حين يعرّفنا بنفسه، لنكتشف أن هذا الصوت الغاضب يعود لشخص متعلم ومثقف، وربما يحمل لقبًا أكاديميًا، لكنه كتب التعليق نفسه باسم وهمي ظنًا منه أنه في مأمن، ثم يكشف هويته بنفسه على الهاتف!

في «القطيف اليوم» لا نجيز مثل هذه التعليقات، ونحرص على تصفيتها بما يحفظ الذوق العام ويحمي المعلّق من نفسه قبل غيره. 

لكن السؤال الجوهري، ماذا لو كتب الشخص التعليق نفسه في موقع آخر لا يملك أدوات الرقابة ذاتها؟، حينها قد يجد نفسه فجأة طرفًا في قضية لا تُحمد عقباها، والسبب مجرد عبارة كتبها في لحظة تهوّر أو «طرافة» خانها التعبير.

المشكلة الحقيقية تكمن في غياب الوعي لدى بعض الأفراد بخطورة الكلمة في الفضاء الإلكتروني، وفي اعتقادهم أن الاسم الوهمي درع يحميهم، بينما الواقع يؤكد أن الوصول إلى هوية المعلّق في عصر التقنية أسهل جدًا مما يتصورون.

رسالتي للجميع قبل أن تضغط زر «إرسال»، تخيّل أن تعليقك غدًا على مكتب جهة رسمية، أو ضمن محضر تحقيق إثر شكوى من متضرر، حينها ستدرك أن الكلمة مسؤولية، والوعي حصانة، وأن تعليق اليوم العابر قد يتحوّل غدًا إلى قضية عنوانها «جرائم معلوماتية».


error: المحتوي محمي