13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

كان لي قرين!

نصحبه ونهواه دون أن نسأل أنفسنا: هذا صديق جيد أم لا؟ بينما نحن نسأل بائع البطيخ عن بطيخة بعشرة ريالات: حلوة أم قليلة الحلاوة؟

حكاية تحدث في كل زمان ومكان. لم يروها إنسان يحتمل الخطأ والنسيان، إنما حكاها من خلق الإنسان. حكاية صديقين عاشا معًا في الدنيا وافترقا في الآخرة، أحدهما سقط في النار والثاني صار إلى الجنة. تعالَ نقرأ ما يظهر لنا من الحكاية:

في جلسة مريحة، بين فاكهة شهية وحور عين جميلات، وكأس معين يُطاف به عليهم وهم جالسون على سرر متقابلة في حديث أصدقاء طيبين، فجأة في تلك الجلسة الرائعة يتذكرون أصدقاءهم. لماذا تذكرونهم؟ لماذا تشغلون أذهانكم بهم؟ كنا أصدقاء في الدنيا، انفصلنا عنهم ولا نجد لهم أيّ أثر في الجنة، ترى ماذا حلّ بهم؟ أين هم؟ صاروا يسعون إلى معرفة مصيرهم.

منشغلين بالحديث والسؤال عن أحوال بعضهم بعضًا، حديث جميل يجر حديثًا وحكاية تجر حكاية أجمل، فجأة خطر في ذهن أحدهم أمر، فالتفت إلى أصحابه قائلًا: لقد كان لي صديق في الدنيا، مع الأسف، انحرف عن الطريق الصحيح، وصار منكرًا يوم البعث. كان دائمًا يعترض عليّ ويسألني: هل تصدق هذا الكلام وتعتقد أن الناس يعودون بعد الموت؟ هل تصدق أننا إذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا نحيا مرة أخرى؟ ثمّ حساب وجزاء؟ هذا لا ينبغي أن يصدق! أنا لا أعرف لماذا أنت تصدق بفكرة البعث؟!

ليتني أعرف أين صديقي الآن؟ في أية حال يعيش؟ مكانه فارغ بيننا يا جماعة! أيها الأصدقاء، هل تعرفون عن أحواله شيئًا؟ تقدرون أن تبحثوا عنه؟ يبحث عن قرينه وصديقه وينظر إلى جهنم فإذا هو يرى صديقه وسط جهنم والعياذ بالله. يرفع صوته ويقول: أقسم بالله لقد كدتَ أن تهلكني وتضيعني معك. كدتَ تسقطني فيما سقطتَ فيه! أوشكتَ أن تؤثر على قلبي بوساوسك يا رجل، وأن تأخذني معك إلى جهنم!

ماذا عملتَ في نفسك؟ ألم تكن أنت القائل لي في الدنيا بأننا بعد أن نموت لا حياة أخرى ولا عذاب وأن البعث غير موجود إلا في عقلي أنا؟ الآن انظر الخطأ الشنيع الذي وقعتَ فيه! صدَّقت الآن؟ وضحت لك كلّ الحقائق؛ البعث والثواب والعقاب والجنة والنار؟! المشكلة أنها وضحت لك متأخرًا! ما الفائدة وأنت في قعر جهنم وليس هناك طريق للعودة إلى الحياة وإصلاح الخطأ؟!

{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٞ (51) يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُصَدِّقِينَ (52) أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلۡ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54) فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ (55) قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرۡدِينِ (56) وَلَوۡلَا نِعۡمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ}.

كم منا يكون يوم القيامة مكان الصديق السيء وكم منا يكون مكان الصديق الجيد؟ كم منا في الدنيا ألعوبة في يد صديق لن ينفعه يوم القيامة. عن الإمام علي -عليه السلام-: "كل طير يأوي إلى شكله".

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه * ففيه دليلٌ عنه بالطبع تهتدي
ولا بدع في وفق الطباع إذا اقتدت * فكلّ قرينٍ بالمقارن يقتدي
وإن تصطحب قومًا فصاحب خيارهم * لتصبح في ثوب الكمالات مرتدي
وجانب قرينَ السوء يا صاح صحبةً * ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي


error: المحتوي محمي