
يحكى أن أسدًا من الأسود وقف يومًا بجانب بئر عميقة، وفي حين غفلة منه جاء شبل مسرعًا فاصطدم به ودفعه نحو البئر فسقط فيها، فانفعل أيما انفعال وغضب أيما غضب وعلا صوته: أيها الشبل الذي هو كذ وكذا، أنا الأسد كيف يدفعني شبل نحو هذه البئر؟ أنا الأسد يجب أن يعتذر لي، يجب ويجب ويجب.
وبينما هو بالبئر جاءه والد ذلك الشبل، فقال الأسد الذي في البئر: إن ولدك أخطأ بحقي وإنه كذ وكذا، ويجب عليه أن يعتذر لي، فقال والد الشبل: إنه شبل صغير لا يعي ماذا عمل، فقال الأسد: لا، لا يمكن أن أقبل هذا القول، أنت وولدك مخطآن بحقي ويجب أن تعتذرا.
وهنا جاءت مجموعة من الأسود فصاح الأسد في البئر: هل رايتم كيف أسقطني ذلك الشبل في البئر، فقالا: لم نر ذلك. وهنالك انفعل الأسد انفعالًا شديدًا وقال: أنتم يا من قمت لكم بالجليل من المعروف وأديت إليكم الجميل من العمل نسيتم ذلك كله ولم تقولا بأن الشبل أخطأ بحقى أنتم كلكم مخطئون بحقي.
وكان هناك أسد جاء إليه مع سماعه صوته من البداية وعرض عليه أن يخرجه من البئر لكنه رفض أن يخرج لأن الشبل ووالده أخطآ بحقه، وعاد له مرة ثانية وأراد إخراجه من البئر ولكنه رفض مرة ثانية وقال إن الأسود أخطأت في حقه، بل وهدد هذا الأسد الذي يريد مساعدته بالويل والثبور وعظائم الأمور.
وفي يوم من الأيام تلاقت الأسود وقد ساء حالها أنها فقدت أحد أعضائها والذي هو غاضب من ذلك الأسد وشبله وغاضب من الأسود التي لم تقف معه كما يرى، وغاضب من كل من يريد مساعدته، فقال لهم الأسد الذي عرض المساعدة لأكثر من مرة ما حصل معه ومع الأسد الذي سقط بالبئر، وحاولت بعض الأسود ترميم الفجوة وإصلاح ذات البين، ولكن الأسد الذي بالبئر بدلًا من أن يخفف من غضبه زاد فيه وقطع كل صلة له بذلك الأسد الذي كان يرغب مساعدته، والذي كان كلامه صريحًا أنك أي الأسد في البئر الآن ولا يمكنك الخروج منه بالاعتذار إليك وخصوصًا أن الشبل ذهب لشأنه، وأن باقي الأسود حزينة على حاله وحالها معه.
فنحن مع ما نحن فيه من مصائب قد نركز على جزء يمس شخصيتنا ونرى ذلك هو بيت القصيد وننسى أننا في بئر عميقة لا يمكن الخروج منها دون أن نعى لأنفسنا أولًا ونشخص المشكلة التي نحن فيها ومن ثم نتوجه لباقي الأمور، والذي يؤلم أن المرء يتصور كل من يريد مساعدته أنه ضده وخصوصًا أن ما يريده في تلك البئر العميقة هو الاعتذار إليه والذي لا مجال من الخروج منه إلا بتعاون الجميع، لا أحد معصوم فينا والخطأ منا وارد وعندما يكون هناك حادث سيارة لا سمح الله فبدلًا من أن نُخطّئ من اصطدم بنا ونطلب منه الاعتذار وإلا فإننا نقبل بنجم أو المرور لحل المشكلة والتي ربما نكون نحن المخطئين فيها أو مشاركين بنسبة منها، أما أن نرفض ذلك ونظل نصرّ على الاعتذار وإلا!، لا تعليق!