
ما وقع بصري على كلمات أجمل من كلمات نبي الله إسماعيل وهو يتحدث مع أبيه نبي الله إبراهيم عليهما السلام ويقول: (يا أبتي اشدد رباطي حتى لا أضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينضح عليها شيء من دمي)، بحثت في بطون الكتب وسبرت أغوار التاريخ أبحث عن أبواب البرّ بالوالدين فلم أجد أعظم من هذه الكلمات.
كان هذا كلام نبي الله إسماعيل لأبيه خليل الله إبراهيم عندما أراد ذبحه على أثر رؤيته المنامية لأنه يعلم أنّ رؤيا الأنبياء وحي يُوحى. لكنني توقفت ونظرتُ نظرة عابرة على مجتمعنا والله أنني رأيت خيرًا على الرغم من صور العقوق المتكررة.
أحدهم أعطى جزءًا من جسده لأمه فتبرع بإحدى كليتيه لها. وأحدهم ذهب للمحكمة يشتكي أخاه على أثر خلاف بينهما لأن كلّ واحد منهما أراد أن يأخذَ والدته ويظفر بالبر بها. وتطول القائمة.
إن نثر العبارات عن البر بالوالدين أمرٌ يدعو لنشر روائح أجود أنواع العطور في حدائق غنّاء ليس لأنه يدخل في باب الإنسانية فحسب أو ردّ الإحسان بإحسان مثله وإنما هو طريق لرضا الله تعالى وباب من أبواب الرزق في الدنيا والآخرة.
ومما يدعونا للإشادة بنبل أخلاق أجيالنا الحاليّة أنّ قيمة برّ الوالدين لم تندثر مع صيحة الحداثة كما هو الحال في اندثار بعض القيم الإسلامية المهمة واختفائها ولا مجال لذكرها.
أما الحديث عن البر بالآباء فهو لا ينحصر في عيد الأم أو يوم الوالدين الذي صادف يوم أمس (1 يونيو) بل أراه في كلّ يوم، في كلّ ساعة، وعند شكر الوالدين والإحسان إليهما يجب علينا التفكير خارج الصندوق.
لا تترك نفسك للشائع والمعتاد ابتكر طرقًا جديدة للبرّ بوالديك، وامشِ في مسالك لم يمشِ فيها الآخرون. أطلق العنان لطاقتك في خدمة والديك وإذا استنفذت طاقتك ووصلت إلى الصفر في خدمتهما فاعلم أنك أوشكت على الوصول إلى مشارف الجنة، يقول النبي ﷺ: (رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ) لذلك يعيش بعض العقلاء حالة من الطفرة في الاهتمام بوالديه، فيسخّر جلّ وقته في رعايتهما بل يصل به الأمر إلى الإعراض عن الزّواج من أجل العناية بأمّه أو رعاية والده ويبذل قصارى جهده من أجلهما.
ومن زاوية أخرى يعيش البار بوالديه في رغد من العيش، وتوفيق إلهي لأنّه ضبط اتجاه بوصلته للجنّة. فانظر إلى أيّ جهة تضبط بوصلتك؟