
المعرفة العلمية هي أحد أهم إنجازات البحث العلمي الأكاديمي، والقائم على الاستخدام الممنهج لأساليب وإجراءات محددة للحصول على معلومات أو لكشف علاقات بين متغيرات في المجتمع. ويهدف البحث العلمي إلى الإضاءة على معلومات جديدة أو التأكد من معلومات قديمة من أجل زيادة المعرفة أو التحقق منها. لذا يرتكز البحث العلمي على اختبار الفرضيات المطروحة من أجل فهم أو تحليل ظاهرة ما في المجتمع.
وتُعتبر المعرفة العلمية معرفة منظّمة تخضع لضوابط وأسس منهجية، لا نستطيع الوصول إليها دون اتباع هذه الأسس والتقيد بها. ومن هنا نجد أن المعرفة العلمية تختلف في الكثير من الحالات عن التحاليل والأفكار السائدة في المجتمع، إذ إن الدراسات البحثية تعمل على التعمق في الموضوع وتجميع المعلومات الموضوعية وتحليلها بعيداً عن الأفكار المسبقة والتحاليل المعلّبة والتنميط.
يصف عالم الاجتماع أنطوني غيدنز (٢٠١٣، ص٣٨٠) عملية البحث في علم الاجتماع، كما غيره من العلوم، بكونه “فن الممكن”، ويستند هذا الوصف إلى الإدراك بأن المعرفة العلمية مقيدة بحواجز أخلاقية وظروف الإمكانية للحصول على المعلومة بشكل مباشر. فليست كل المعلومات متاحة بسهولة للباحث، وليست كل أساليب البحث ممكنة ومقبولة من حيث احترام أخلاقيات البحث العلمي. فمثلاً، إذا كان الباحث مهتماً بالدوافع التي تؤدي ببعض الأشخاص للانتحار، يكون من المثالي لو كان من الممكن التحدث إلى أشخاص قاموا بالانتحار، لكن ذلك غير متاح لأنهم قد قضوا. لذلك يلجأ الباحث في هذه الحالة إلى أساليب بديلة يمكن أن تقرّبه قدر المستطاع من المعلومات ضمن الممكن، مثل إجراء مقابلات مع العائلة أو مع ناجين من الانتحار.
عادةً ما يقول العلماء إنهم “يقفون على أكتاف عمالقة”، ويقصدون في ذلك أن المعرفة العلمية التي ينتجونها لا تأتي من الغيب، بل هي تُبنى على النظريات الموجودة وتستند إلى الدراسات السابقة. فتقوم الدراسات العلمية باختبار النظريات عبر جمع وتحليل البيانات والأدلة، ومن ثم إعادة صياغة النظريات وفقاً لنتائج تحليل المعلومات والبيانات الجديدة. وهكذا تتراكم المعرفة ويتقدم العلم، فتُستبعد بعض الفرضيات، بينما يتم اختبار فرضيات أخرى للتأكد من قدرتها على تفسير ظواهر معيّنة في المجتمع.
وبهذا المعنى، تكون المعرفة العلمية هي معرفة قائمة على تفسير المجتمع استناداً للدلائل والبيانات المادية والموضوعية ضمن إطار نظري محدّد. فالدراسات النظرية التي تعالج أفكاراً وآراء دون دعمها بدلائل وبيانات لا تُعتبر “علمية”، كما أن الدراسات التي تجمع الإحصاءات والدلائل دون تفسيرها وتحليل البيانات بشكل ممنهج أيضاً لا تُعتبر دراسات “علمية”، إذ إنها تفتقد للتفسير والتحليل العلمي. ومن هنا يمكننا القول إن المعرفة العلمية تكمن حيث يلتقي النظري مع التطبيقي.