
صفة الرجل الكادح على رب الأسرة لم تأتِ من فراغ لأنه هو من يكدح ويعمل لتوفير لقمة العيش للأسرة، وأن الأمومة هي فطرة المرأة التي فيها الأمان الأسري، لكنها في عالم اليوم أصبحت شريكة للرجل في مختلف ميادين العمل، في الطب والهندسة والتدريس، وهناك سائقات الحافلات لتوصيل الطالبات والمشاوير الخاصة وغيرها.
أثبتت الدراسات العلمية عن المرأة أن الأمومة هي العاطفة الفطرية في تكوينها، وأن غريزة الأمومة جزء من تركيبتها البيولوجية، حيث إن جسد المرأة وعقلها مهيآن بيولوجيًا وفسيولوجيًا للإنجاب والتربية والرعاية، بحسب ما قاله عالم النفس التطوري ديفيد باس (David Buss) في كتابه “The Evolution of Desire”، أن المرأة فُطِرت على حب الاستقرار وتكوين أسرة.
يأتي دور الرجل الفطري في المقابل بأنه المعيل الكادح والحامي للأسرة، بحسب ما أظهرته الدراسات الأنثروبولوجيا البشرية، بأن الرجل منذ فجر التاريخ كان هو من يتحمل مسؤولية توفير العيش الكريم وحماية الأسرة من أي خطر قد تتعرض له، ويشير كتاب “Man the Hunter” الذي نُشر عام 1968 إلى أن دور الرجل الفطري كان ولا يزال مرتبطًا بالحماية وتوفير موارد العيش الكريم لعائلته وأُسندَ للمرأة مسؤولية الاهتمام بالأسرة والأبناء.
في زمن الطبيعة والجمال لا توجد وسائل الراحة في البيوت كما هي اليوم، لكن المرأة هي من تحملت مسؤولية الاهتمام بالأسرة أثناء غياب الرجل في العمل، فهي من تأتي بالماء من العيون الطبيعية المنتشرة في البلاد للشرب والطبخ، وهي من تحمل ملابس الأولاد وتذهب معهم للعيون ليستحموا وغسل ملابسهم، في زمان أول كانت الشياكة في البساطة والرقي في السلوك، وكان الاحترام هو اللغة التي يتحدث بها الكبير والصغير، لا تكبر ولا تعالي فقط قلوب نظيفة وأرواح تعيش بقيم راسخة.
أشعر بالفخر أنني أنتمي إلى تلك الحقبة الزمنية التي سُميت بهتانًا “بزمن الجوع والحاجة”، بينما هي في الحقيقة “زمن الطبيعة وجمال الأرواح الحقيقي”، ذلك العصر الذي كانت فيه القلوب أكثر صدقًا، والنيات أنقى وأطهر والمشاعر أعمق، وحين كان الجار قبل الدار حقيقة لا مجرد مثل بل أسلوب حياة، حيث كان الجار بيتًا ثانيًا وكان الناس سندًا حقيقيًا لبعضهم بعضًا، لا ينتظرون مناسبة ليُظهروا إنسانيتهم لمساعدة محتاج.
الحياة ومغرياتها في زمن التكنولوجيا اليوم، والتغيير الكبير في نمط العيش زادت قسوتها على الرجل، وأربكت قدرته المالية التي أضعفت المسؤولية التقليدية له على تأمين احتياجات الأسرة، وهذا ربما أجبر الكثير من النساء اليوم يعملن مضطرات لا حبًا في العمل خارج البيت، لكنه من أجل الإسهام مع الرجل في مصروفات الأسرة أو لتحمل بعض المسؤوليات عند غياب أو تقصير رب الأسرة.
ختامًا: لا أظن أن الحياة الجميلة في الزمن الجميل الذي كانت فيه المرأة قوية بأنوثتها، والرجل عظيمًا بأخلاقه وعمله، والناس أعمدة لبعضهم بعضًا سيعود، فهل حقًا انتهى ذلك الزمن؟ أم أنه لا يزال حيًّا في بعضنا اليوم…؟