
كل يوم نسمع ونقرأ مات فلان، ماتت فلانة! خبر قصير جدًّا بمنزلة جرس يقرع آذاننا؛ انتبهوا أنتم في ذات الطريق تسيرون! انتبهوا أنتم نائمون! نركض في الدنيا مسرعين وفجأة يُقال لنا: قف! انتهى كل شيء!
نزلنا ههنا ثم ارتحلنا * كذا الدنيا نزول وارتحال
أردنا أن نقيل بها ولكن * مقيل المرء في الدنيا محال
أجمل دعاء ندعوه كل يوم أن يختم الله لنا مسيرة الحياة بنهاية جيدة. يا ما ناس عاشوا تحسبهم ملائكة، ختموا حياتهم بزفت أَسود، وناس تقول عنهم: شياطين، الله يستر منهم ويكفينا شرهم، ماء المحيط لا يطهرهم، ماتوا أنقياء طاهرين.
الخاتمة تضحك من العمل، اللهم أحسن خاتمتنا، كما ينقل عن الإمام علي -عليه السلام-: "فإن ختم لك بالسعادة صرت إلى الحبور، وأنت ملك مطاع، وآمن لا يراع، يطوف عليكم ولدان كأنهم الجمان بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين، أهل الجنة فيها يتنعمون، وأهل النار فيها يعذبون، هؤلاء في السندس والحرير يتبخترون، وهؤلاء في الجحيم والسعير يتقلبون".
الحياة امتحان حتى الممات، ينجح في الامتحان من ينجح ويفشل من يفشل وويل لمن فشل في آخر محطة! أمثلة قليلة من القرآن الكريم، أما من الحياة فهي لا تعد ولا تحصى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}؛ رجل كان في صف المؤمنين في البداية وفي النهاية وسوس له الشيطان وانتهى في صفوف الغاوين.
قارون هو الآخر أعطاه الله ما لم يعط أحدًا من العالمين ثم الخاتمة خسف الله به وبداره الأرض! على ماذا وبسبب ماذا؟ الذهب والفضة والمال: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ}.
"ملاك العمل خواتيمه"؛ رجل يقضي حياته في المسجد وامرأة تقضي حياتها في المحراب، يسقط الرجل وتسقط المرأة مثل كفيف العينين في حفرة المال، أو الشهوة، أو الانحراف ولا يخرج منها. يروى عن رسول الله -صلى الله عليه وآله-: "إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم عمله بعمل أهل الجنة".
كما توجد حكايات ناس وقعوا في الحفرة، هناك حكايات آخرين خرجوا منها. حكايات تعطي الأملَ بأن باب الله سبحانه وتعالى مفتوح، أي إنسان يدخله في أية لحظة. يروى عن النبي محمد -صلى الله عليه وآله-: "إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر، توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الزاكية قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبينه بكثرة ذكركم إياه".
هل يبقى لنا من عذر -إذن- أن نرى جمال الله سبحانه وتعالى وكرمه في دعوته لنا: هلموا، تعالوا، استيقظوا، لا تتأخروا، بسرعة، الدنيا قصيرة، غيركم مات في ضلالته وأنتم لا تزالون أحياء!
اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة!