28 , أبريل 2025

القطيف اليوم

رجال!

لطالما استوقفتني هذه الكلمة الدارجة في حياتنا اليومية. وهي كلمة متداولة بين عامة الناس وخاصتهم، والتي ينعتون بها من يصدق عليه الثناء والمديح بهذا الوصف "أنت رجل" أو "أنت رجَّال" فتجدها بهذا النحو أو بمسميات أخرى مشابهة لذلك المعنى "مراجل" أو "مرجلة" وهي مشتقة من كلمة "رجل" أي الرجولة. وهي غالبًا صفات ينعت بها الرجال المتصفون بالشهامة والمروءة والقوة، ولا يقصد هنا بالقوة البدنية والعضلات المفتولة، بل يقصد بها قوة العقل والصبر والحكمة في إدارة شؤون الحياة والتعاطي مع الأزمات باتخاذ القرارات الحكيمة في حل المشكلات والمعضلات، سواء أكانت على المستوى الشخصي أو على مستوى الأسر والمجتمعات. 

وهنا تكمن قوة الشخصية وتتجلى حكمتها في ضبط الأمور الحياتية حتى تسير في طريقها الصحيح.

ولذلك فإننا نجد في غالبية المجتمعات قيادات ونماذج مشرفة من الرجال والشيوخ الأفاضل الذين يمثلون عوائلهم وعشائرهم وهم على رأس هرم كل أسرة. وهم بمثابة صّمام الأمان لكل عشيرة وقبيلة. لما يتصف به هؤلاء الرجال من المروءة والحنكة والشجاعة وقوة الشخصية، المتمثلة بالعقل والمنطق والنفس السوية والحلم والقدرة على ضبط النفس ومخافة الله تعالى في كل أمر. مما يجعل لتلك الشخوص وزنًا استثنائيًا وقدرًا عاليًا بين الناس في سائر المجتمعات. 

فالرجولة ليست مفهومًا سطحيًا فارغًا أجوف ولا مقرونًا دائمًا بمفتولي العضلات كما هي في نظر البعض من السذج والحمقى منهم! والذين يرون الرجولة بقوة البطش والتحدي والانتقام! 

وإنما الرجولة الحقة تتجلى في مواجهة الأزمات بالعقل والرأي السديد وإيجاد الحلول المنطقية والعملية في معالجة المشكلات بدلًا من منطق التسلط والأنانية والتعدي والانتقام كما يحلو للجهلة من أشباه الرجال فعله والتعامل به. وهو ما يعد ضعفًا في تلك الشخصية وخللًا كبيرًا في صاحبها! وكذلك هو حال أولئك الذين يهربون من القضايا وليس لهم القدرة على تحمل المسؤوليات تجاه الصعوبات والعقبات، وبالتالي تجدهم يتسلقون على نجاحات الرجال الأسوياء ويتخفَّون خلفهم حتى لا تتضح سوءاتهم وخيباتهم في حياتهم.

فما أجمل أن يُلزم الرجل نفسه بالمنطق القرآني في كلمة "رجَالُ" فيتحمل عبء مسؤولية الكلمة على عاتقه بكل جدية وإخلاص وملتزمًا بعهوده ووعوده التي قطعها على نفسه تجاه الآخرين. لما لذلك من مدلولات كبيرة وعظيمة في نفس كل رجل سويّ متمسك بالمنهج القرآني العظيم. 

وما أجملها من كلمة وأعظمهُ من وصف "رجل" حين يتلبسهُ صاحبه ليعيشه قولًا وفعلًا، وليتزين به وسامًا للنزاهة والشرف، ومسخرًا ذلك في كل ما من شأنه كسب رضا الله سبحانه.

وصدق الحق عندما قال في كتابه الكريم: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [سورة النور: 37].


error: المحتوي محمي