01 , يونيو 2025

القطيف اليوم

حفلة خطوبة لو بروفة لليلة العمر؟

في الماضي كانت الخطوبة جلسة هادئة في البيت، شاي بالحليب، تمر على صحن ويمكن كيكة أم نص ريال، وبضع كلمات من الطرفين تنتهي بمصافحة وعبارة: «على البركة وسرور دايم».

اليوم؟ لا يا عزيزي، اليوم نحن أمام إنتاج ضخم، ميزانية هوليوودية، وإخراج لا يقل فخامة عن افتتاح كأس العالم، لكن بـ«توست» وعدسات بوكيه ومؤثرات خاصة.

لا أعلم ما الذي حدث بالضبط، ولا أعلم من الذي قرر فجأة أن الخطوبة تحوّلت عند البعض إلى حدث يجب أن يُخلّد في سجلات اليونسكو، لكن ما أعلمه جيدًا أن جيلي — أبناء البساطة— لم يعرفوا هذه الطقوس، ولم يحلموا بها حتى في كوابيسهم.

كنا نكتفي بعقد قران في بيت العائلة، وأحيانًا في إحدى الحسينيات ببساط محمدي ودون كلفة تُذكر، تجتمع فيه الأسرة، ويأتي الجميع حاملين دعواتهم الطيبة وكلمة «الله يتمم بخير»، ويمضي الأمر كما يمضي الصيف في القطيف، حارًا لكنه مقدور عليه.

أما اليوم؟ فالشاب المسكين — اللي بعضهم كل يوم يصحى يثبت لمندوبي شركات بيع السيارات إنه مش مشروع تهرّب — يجد نفسه في قائمة مهام لا تقل عن تخطيط حملة عسكرية: قائمة ضيوف، فستان خطوبة، صالة أفراح (نعم، صالة أفراح!)، كيكة بثلاثة أدوار، فرقة أناشيد، مصور فوتوغرافي، ويمكن سناب شات لايف، وورد من هولندا، وعطر يُرش في ممر الدخول يكلف أكثر من إيجار شقة في وسط سيهات!

لا أحد يدري من المسؤول، هل هي المسلسلات التركية؟ أم مشاهير السوشيال ميديا؟ أم أننا ببساطة وقعنا في فخ «خلّنا نكشخ قدام الناس وبعدين الله يفرّجها»، والضحية؟ شاب في العشرينات يحلم ببناء بيت، فينتهي به المطاف ببناء ديكور لحفلة مدتها ساعتين، وسداد قرض مدته خمس سنوات!

الأم المسكينة — التي في زمنها كانت «الشيلة أو الثوب الهاشمي» هي العنوان الوحيد للأناقة — صارت اليوم مسؤولة عن «ثيم الخطوبة»، و«لستة المأكولات»، و«الاستعراض الجماعي للفرقة الفلكلورية»، وكأننا نُحضّر لحفل تتويج لأحد ملوك بريطانيا، لا خطوة أولى في مشروع زواج قد لا يكمل شهر العسل!

قبل أيام، مرّ عليّ مقطع فيديو لأحد رجال الدين في مدينة صفوى، رجل عاقل رزِين، تحدث عن هذا الترف المفرط، ودعا الناس للاكتفاء بالمراسم البسيطة التي تحفظ المعنى دون أن تُثقل الكاهل، وقلت في نفسي: أخيرًا صوت عاقل في زمن الضجيج، صوت يُعيد للخطوبة معناها، لا شكلها.

صحيح أن الزمان تغيّر، وصحيح أننا نعيش في عصر الـ«فلترات» والتصوير البطيء، لكن هل فقدنا عقولنا بالكامل؟ متى صارت حفلة الخطوبة مشروعًا اقتصاديًا؟ ومتى صار الزواج ميدانًا للمنافسة بدلًا من أن يكون ميثاقًا للحياة؟

أعلم أن بعض القراء سيقولون: «الدنيا تطورت»، وهذا صحيح، لكن التطور لا يعني المبالغة، لا يعني أن نبدأ الحياة بسلفة، ولا أن نُرهق شبابنا بحفلات تشبه العرس، وتسبق العرس، وتُفقده رمزيته.

دعونا نعيد التفكير. دعونا نمنح الشاب والفتاة فرصة للفرح الحقيقي، لا للعرض المسرحي، فالخطوبة ليست فيلمًا، وليست فستانًا، ولا «صندوق شوكولاتة بـ٣٠٠ ريال»، هي بداية، لا نهاية ميزانية.

وإن كنتم ترون في البساطة عيبًا، فهذا موضوع آخر وأعذروني على اللقافة، أعلم أن ما كتبته قد يبدو تنظيرًا، وربما أكون أنا نفسي لست مثالًا يُحتذى به في هذا الجانب، لكن الفكرة تستحق أن تُقال — وقد يكون هناك من متابعينا في «القطيف اليوم» من طلبوا منا الكتابة عن هذه الظاهرة — لأن ما نراه اليوم ليس مجرد تطور، بل هو انزياح عن المعقول، وبعض حفلات الخطوبة تحوّلت إلى عبء، وأصبحت أشبه بمحطة استنزاف بدلًا من أن تكون لحظة فرح وبداية هادئة.

أنا لا أزعم امتلاك الحقيقة، وقد أكون مخطئًا، لكنني مؤمن بأن المبالغة لا تصنع السعادة، وأن التباهي كما يُقال لا يبني البيوت، وأن المعاني البسيطة هي التي تصمد.


error: المحتوي محمي