16 , مارس 2025

القطيف اليوم

بيدك أنت فقط 

القلوب الطاهرة هي قلوب جاذبة لمن حولها لا إراديًا؛ وكأنها واحةٌ غنّاء تتغنى على ضفافها البلابل. 

    
القلوب الطاهرة تتلوها الأرواح قرآنًا، وتسجد لها القلوب قربانًا، وتتراقص على أنشودتها الحياة. 

 
القلوب الطاهرة هي قلوب نقية لم تلوثها الحياة بمواقفها المظلمة، وإنما حافظت على فطرتها رغم جور الزمن. قلوب لا تعرف الحقد، أو الانتقام، أو العدوانية، ولا تؤمن بالتصادمات والحروب الداخلية أو الخارجية أبدًا. 

  
قلوب مملوءة بالسلام الداخلي؛ حيث يغلفها الحب من جميع جوانبها وجوانحها، ويرسم الهدوء عليها ملامحه وصفاته وأدبياته. 

   
القلوب الطاهرة كأنها الماء العذب كلما شربتَ منه ظمئتَ إليه. قلوب تنام على ريش نعام، وتدعو الله بسلامة الناس جميعًا اختلفوا أو اتفقوا، بعيدة تمامًا عن التطرف في الدين، أو العادات، أو التقاليد، تحترم نفسها وتحترم الآخر مهما كان البعد الثقافي، تؤمن أن المجتمعات بيئات وثقافات مختلفة، قد تتوافق وقد تتطابق وقد تختلف تمامًا. 

  
هذه القلوب حملت أخلاق الأنبياء والمعصومين في جوهرها وانطباعها وسلوكها العام؛ فكانت جنانًا لأصحابها. تبتعد عند الاختلافات أو الخلافات بسلام حاملة معها كل الحب وكل الشكر وفائق الاحترام، معاهدة الله ونفسها وضميرها بألا تؤذي أحدًا. 

    
هذه القلوب الطاهرة هي التي جعلت من أصحابها طيور الجنة بين الناس، تثق بالآخرين وتتعامل بعفوية كاملة وشفافية تامة. هي أمامك كما هي خلفك فلا نفاق، ولا كذب، ولا خداع، ولا غدر، ولا حقد، ولا حسد، ولا غيرة، ولا فتن، ولا نميمة أو اغتياب. 

   
قلوب كلماتها بسيطة غير أنها تنساب في القلوب كانسياب الماء في الجداول. كلماتها عذبة راقية دافئة وصادقة وخالية من التكلف والعجب والنرجسية، تخجل التواضع بتواضعها. 

    
هذه القلوب ألقت بظلالها على حامليها فأصبحوا أحاسن الناس أخلاقًا، وقد ورد في الأثر (أفاضل الناس أحاسنهم أخلاقًا)، وعليه أصبحت هذه القلوب مصداقًا لقول المصطفى صلى الله عليه وآله: (ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟: العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، والإحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك). 

    
هذه القلوب غرست معاني الإنسانية الكاملة بأبعادها ودلالاتها في أصحابها؛ فكانوا إنسانيّين جوهرًا ومظهرًا. من السهل أن يكون الإنسان عالمًا أو قائدًا أو سيدًا ولكنه من الصعب أن يكون إنسانًا؛ إلا إذا حمل قلبًا طاهرًا نورانيًا. الإنسانية -كما تعلمون- هي أعلى مراتب الكمال البشري ولا تليق إلا بالطيبين الطاهرين. 

   
قد ترى عالمًا، أو مبدعًا، أو كاتبًا، أو طبيبًا من الطراز الأول في كفاءته وإدارته لكنك تشفق عليه لما ترى من سلوكه الذي يعكس قلبه. 

   
القلوب الطاهرة سادة في الدنيا، وسادة في الآخرة، تحفظهم الملائكة، وتظلهم عناية الله. 

    
الإنسان الطيّب كبائع الورد يبقى أثره حتى بعد الرحيل؛ فبعض الغيابِ حضورُ. 

   
صحيح أن الطيبين بشرٌ كسائر الناس يصيبون ويخطئون؛ غير أنّهم لا يتعمدون الإساءة، ولا يحملون الحقد، ولا يعرفون الأذى، ويعتذرون، ويصفحون. 

      
في كل قلب طاهر قلب طفل جميل يلقي بظلاله على التفكير والسلوك والتعامل. 

    
هذه القلوب الطاهرة كالمطر تنقي الأجواء، وتحيي القلوب، وتزهر الأرواح، ويحل معها الخير أينما حلّت، لأنها مباركة أينما كانت. 

   
جل هؤلاء الطيبين دفعوا ثمنًا باهظًا لطهارتهم في التعاملات والمعاملات) غير أن ذلك لم يمنعهم من المحافظة على طهارتهم وبراءتهم التي رافقتهم منذ نعومة أظفارهم. 

  
متسامحون تمامًا، وبسطاء تمامًا، وأبرياء تمامًا، وكأنهم حمائم الفردوس الجميلة. 

   
إذا اختلفوا أو اندفعوا أو انفعلوا اعتذروا، وإذا أخطأوا اعترفوا، وقلوبهم عامرة بالخير.

   
امتثلوا أوامر السماء حقيقة بلا مراء، ولا تملق، ولا شعارات واهية، وكانوا انعكاسًا لعباد الله الصالحين. 

      
القلوب الطاهرة تأنس النفوس بذكرها كل وقت، وكأنهم البسمة أو النسمة على قلبك وروحك، بخلاف القلوب التي لا تحمل الطهارة حيث تكتئب النفوس والأرواح والقلوب لذكرها.

    
القلوب الطاهرة تدعو لها القلوب والأرواح والعقول لا إراديًا، وكأنها قرآن يُتلى. 

  
هذه القلوب الطاهرة لها علامة -كالمحراب في المسجد- لا تفارقها ولا تحيد عنها أبدًا وهي التسامح والعفو. إذا أردت أن تعرف طهارة قلب فابحث عن العفو والتسامح فيه، فإن وجدته صفة غامرة فاعلم أنه من الطيبين الطاهرين،  وتمسك به والبسه قلادة على عنقك، وإن رأيته حاقدًا حاسدًا فابتعد عنه بعد الصحيح عن الأجرب. 

    
هذه القلوب تتعامل بعفوية وشفافية مطلقة ولهذا تصيب تارة، وتشتبه أخرى، وتخطئ في - الثالثة؛ لكنها لا تتعمد الأذى من جهة، وتعتذر من جهة أخرى، وتصفح وتنسى وتعود في الجهة الثالثة، وكأن شيئًا لم يكن؛ بخلاف الذين يصفحون ويحقدون بحيث يجتمع فيهما النقيضان!!. 

   
القلوب التي لا تعرف العفو والتسامح لا تخلو من (الحقد، أو الحسد، أو العناد، أو الخبث، أو الغيرة، أو الجهل)، وهي قلوب لا يحبها الله ورسوله ويكرهها الناس، بل إن هؤلاء هم شر الناس؛ فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: (شر الناس من لا يعفو عن الزلة، ولا يستر العورة). هؤلاء الناس يعيشون جهلًا مركبًا حين لا يصفحون ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا. 

   
القلوب الطاهرة مصداق حقيقي لقوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، أي أنهم عافون عن الناس، ومبتعدون عن الشحناء والبغضاء بكلياتها وجزئياتها. 

   
العفو أو التسامح شيمة النبلاء، وأخلاق الفضلاء، وزينة عباد الله الصالحين. إن ما ورد فيها من فضل ومقام وعلو منزلة وسمو يجعل الجميع يرجو أن لا تفارقه هذه الصفة طرفة عين. 

    
ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قوله: (العفو أحق ما عمل به)، وقال: (إن الله عفو يحب العفو). وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: (أحقّ الناس بالإسعاف طالب العفو)، وقال: (بالعفو تستنزل الرحمة)، وقال: (العفو مع القدرة جنة من عذاب الله سبحانه)، وقال: (شيئان لا يوزن ثوابهما: العفو والعدل). وقال: (قلة العفو أقبح العيوب، والتسرع إلى الانتقام أعظم الذنوب). 

     
أتعجب كثيرًا من بعض الملتزمين، أو النبلاء، أو أصحاب الذوق الراقي كيف لا يصفحون عمّن اعتذر إليهم وأقر بذنبه ؟!!!، وأتعجب أكثر من الذين رفعوا راية الانتقام على أزواجهم، أو أرحامهم، أو أحبابهم، أو شركائهم، أو جيرانهم خفاقة وهم يستطيعون العفو عنهم؟!!!، وأتعجب أكثر من الذين يرفعون الشعائر السماوية وأخلاق آل محمد عاليًا وهم يصولون ويجولون في ميادين الحياة بلا رحمة ولا تسامح ولا إنسانية؟!!، وأما الذين يسألون الله عفوه ورحمته ومغفرته ولا يسامحون الناس فهم العجب نفسه بل كل العجب!!!. 

  
لا يستوي الذين يعفون عن الناس إكرامًا لله تعالى، وامتثالًا لأوامره مع الذين يعاندون الله ورسوله ولا يمتثلون لأمره. طاعة الله تعني امتثال لأوامره برضا وقناعة، فلا تبعيض ولا اختيار. 

    
صفتان ما استقرتا في قلب إلا وزانته، وما خرجتا منه إلا وشانته العفو وكظم الغيظ: قال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. ألا تحب أن يحبك الله ورسوله والمؤمنون؟!. إن كنت تحب ذلك فاصفح الصفح الجميل. 

     
وهل بعد ما ورد عن الله سبحانه وتعالى، وما ورد عن محمد وآل محمد نحمل في نفوسنا غلًا، أو حقدًا، أو غيرة، أو حسدًا، أو انتقامًا تجاه أحد؟!، وهل بعد هذا كله نخضع لأنفسنا الأمارة بالسوء حيث يغلبنا الهوى فنؤذي ونظلم ونجور؟!!، وهل نكون من الذين جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم بحيث نعرف الحق ونعمل بخلافه؟!!، أم نمتثل لأمر الله ورسوله ونعفو ونصفح ونعيش بسعادة وسلام ومحبة غامرة؟! لست أدري!!، (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) (وفي أنفسكم أفلا تتفكرون) (وفي أنفسكم أفلا تعقلون). 

   
كيف يكون لصديقين سابقين في مسجد أن يصليا بجوار بعضهما وهما متخاصمان وحاقدان على بعضهما؟!، وكيف لأخ أن ينتقم من أخيه أو يعاديه؟!، وكيف لزميلين في العمل يبتسمان بالوجوه ويعبسان بالقلوب؟!، وكيف لحبيب أن ينسى من أحبه ويقابله بالصدود والنسيان؟!، وكيف للأرحام أن تنال من بعضها؟! وكيف للمتنافسين أن يسقطوا منافسيهم ظلمًا وجورًا؟!، وكيف نقبل أن نجسّد أخلاق أعداء الشرائع سلوكًا بعدم التسامح وعدم العفو ونرفع راية الدين والأخلاق شعارًا؛ لست أدري؟!.

            
أنت -وحدك- من يستطيع أن يروض نفسه وتفكيره بالحب، والسلام، والتسامح، والعفو، أو العكس، وأنت من يختار أن يكون عزيزًا بين أهله وقومه أو من الذين يكرههم الله ورسوله كالذين قال فيهم أمير المؤمنين: (لوددتُ أني لم أركم ولم أعرفكم. معرفة والله جرّتْ ندمًا وأعقبتْ سدمًا). اختيارك بيدك ومصير حياتك يبدأ منك أنت فقط وفقط. 


error: المحتوي محمي