
إن من يستكثر أن يبارك لك في زواج ابنك، أو في ترقيتك لمنصب رفيع، أو عند نزولك لمسكن جديد، أو عند شرائك لسيارة، أو عند ذهابك للحج، أو عند افتتاحك لمشروع نوعي، أو ما شابه؛ شخص لا يحبك مهما كان ظاهره معك.
استكثاره المباركة والدعاء يحكي رمادًا داخليًا وخلجات ورؤى وأفكار سلبية عادة.
القلوب لها انطباع أحادي -غالبًا- تجاه الأشخاص ويكون ثابتًا كذلك؛ فإما أن تكون القلوب محبّة أو كارهة، ولا يجتمع النقيضان فيها.
الكرماء والشرفاء من الناس والطاهرون يأنسون بسعادة الآخرين وتطورهم، ويعيشون معهم الأحداث والمواقف الجميلة حقيقة وجوهرًا، ودون مجاملة ولا مراء ولا تملق، ولا يجدون في أنفسهم حرجًا من ذلك؛ لأن ثقتهم في الله كاملة وفي أنفسهم مطلقة، ولهم قلوب دماؤها نورانية مباركة.
الحب معايشة، ومشاركة، ومبادرة، وعطاء، ودعاء من غير طلب، تكون فيه المشاعر النبيلة السعيدة متدفقة تلقائيًا؛ والعاجز عن المعايشة بقليل من المعنويات هو عن الكثير أعجز.
عادة الحواجز النفسية (كالحسد والحقد والغيرة) معوّقات يصعب تجاوزها في التعامل مع الآخرين؛ مهما كنت فطنًا أو حذرًا أو منافقًا.
الغريب في الأمر -هنا- هو أن الحواجز النفسية الأقوى والأعنف والأسوأ تكون عند الأقرب رحمًا أو منزلةً أو علاقةً أو صلةً في أغلب الأحوال، والتاريخ المحمدي الهاشمي مليء بما يملأ الخافقين بالشواهد والبراهين.
هذا لا يعني أن الغريب أولى بالحب والصداقة والثقة من القريب رحمًا أو مقامًا؛ لأن بعض الأرحام وبعض الأصدقاء قلائد من نور يرتديها الإنسان صباح مساء؛ ولكنه ومضة تستوجب التأمل.
فهمك وقراءتك وتمييزك لمن حولك يجعلك قادرًا على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بعيدًا عن المؤثرات النسبية أو الوجدانية. كثير من العلاقات التي انقضت كانت نتيجة سوء الاختيار، أو الثقة المفرطة، أو الحب المبالغ فيمن لا يستحق.
الحُب والبغض لا يحتاجان إلى دليل أو موقف أو بيّنة؛ لأنهما شعور مشترك بين الطرفين؛ ولهذا فالمحبون لبعضهم يعرفون بعضهم -تمامًا تمامًا- والمبغضون كذلك.
فراسة الإنسان الراقي المحترم وكياسته تجعلانه قادرًا على قراءة كل من حوله بصمت (أرحام، أصدقاء، جيران، زملاء، شركاء، وغيرهم) وبدقة كاملة، ولكن تعامله معهم يكون وفق دينه وأصله وتربيته وأخلاقه فحسب؛ ومن أشرف أخلاق الكريم التغاضي عمّا يعلم.
الكيمياء الداخلية (كيمياء الحب) في الإنسان هي جهاز تنبيه حقيقي، ودقيق، وصادق يؤخذ به بعين الاعتبار في تحديد ماهية العلاقات ومداها وجوهرها؛ ولهذا إذا تشابهت القلوب اجتمعت (كيمياء داخلية)، وإذا اجتمعت تعانقت، وإذا تعانقت اهتدت وارتقت وعزّت وطهرت واستمرت؛ في حين أن جل العلاقات البشرية الخالية من الكيمياء الداخلية (كيمياء الحب) تموت في المهد.