24 , يناير 2025

القطيف اليوم

المن والأذى يبطل الصدقات والفشخرة تكسر خواطر المعوزين!

بادئ ذي بدء، رسالة محبة للمتباهين بالمال الذي أعطاهم الله إياه والتفاخر والتباهي المكشوف في وسائل التواصل الاجتماعي، وأقول: الواجب ليس التباهي وإنما المشاركة والحذر من دولاب الدنيا الذي يصيّر الفقير غنيًّا والغني فقيرًا {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ }.

إِنَّما الدُنيا هِباتٌ
وَعَوارٍ مُستَرَدَّه
شِدَّةٌ بَعدَ رَخاءٍ
وَرَخاءٌ بَعدَ شِدَّه

كم سمعنا وقرأنا عن أغنياء بطروا نعم الله واستخفوا بها فذهبت عنهم إلى غيرهم، وكم سمعنا ورأينا فقراء شكروا فأعطاهم الله ما أملوا من الغنى والثروة. الحشمة في إظهار النعمة أمر محمود فإذا لم تحتشم وتراعي مشاعر المحتاجين فلا تستبعد أن تكون واحدًا منهم.

لو كان المتكلم عن الفقر إنسانًا غير لقمان الذي مدحه الله في القرآن الكريم ووصفه سبحانه وتعالى بالحكمة لكان بالإمكان الإشكال عليه، إنما المتكلم عن الفقر لقمان. الفقر، المعضلة والمرض، الذي لطالما عانى منه الفقراء والمحرومون وتنادت الشرائع السماوية للخروج منه إلى ساحة السعة والغنى. ماذا يقول لقمان؟

"اعلم يا بني أنّي ذقتُ الصبر وأنواع المر فلم أر أمرّ من الفقر، فإن افتقرتَ يومًا فاجعل فقرك بينك وبين الله ولا تحدث الناسَ بفقرك فتهون عليهم".

"حملت الجندلَ والحديد وكل حملٍ ثقيل، فلم أحمل شيئًا أَثقل من جار السوء، وذقت المرارات كلها، فما ذقت شيئًا أمرّ من الفقر".

أما الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام- فيقول: "ما ضرب الله عباده بسوطٍ أوجع من الفقر" ويقول (ع): "لو تمثل لي الفقر رجلًا لقتلته".

لذلك، إن كنت تستطيع العمل والكسب لكي تزيحَ هذه الصخرة الثقيلة عن كاهلك فلا تتوانَ عن ذلك لأن الفقر عادة ما يصطحب معه "شلته"؛ الجهل والمرض والحاجة إلى الناس، والناس فيهم من يمنّ ومن يشح!

أما أقل ما يمكن إعطاؤه الفقير فهو الكلمة الطيبة والمواساة وعدم السخرية منه. {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}! هذه الآية تنهى عن المنة والأذى عند الإنفاق والتصدق فتقول: إن الكلمة الطيبة للسائلين والمحتاجين أفضل من الصدقة التي يتبعها منٌّ وأذى. المنُّ والأذى يجعلان المال الذي يضعه المعطي الفقير أثقل حملًا من الصخر والحديد وأمر من العلقم.

ثم في مكان آخر يقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}! نهيٌ للمؤمنين عن المنّ والأذى عند إنفاقهم في سبيل الله، لأن ذلك يحبط أعمالهم فلا بد أن يكون الإنفاق منطلقًا من الإخلاص والعواطف الإنسانية النبيلة، ويمكنكم ملاحظة ضرب الأمثال الرائعة في الآية الكريمة للتوضيح والبيان.


error: المحتوي محمي