14 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

أَلا لَيتَ أَيّامَا مَضَينَ تَعودُ!

هل تجدون أنفسكم، القراء الأعزاء، في شوقٍ وحنين دائمين لذكريات الماضي؟ أيام كلها جميلة أليس كذلك؟ يوم كنا نعيشها لم تكن جميلة أما الآن وقد عشناها وابتعدنا عنها مدة زمنية تبدو رائعة جدًّا لدرجة أننا نتمنى عودتها!

أَلا لَيتَ أَيّامًا مَضَينَ تَعودُ
فَإِن عُدنَ يَومًا إِنَّني لَسَعيدُ
سَقى دارَ لُبنى حَيثُ حَلَّت وَخَيَّمَت
مِنَ الأَرضِ مُنهَلُّ الغَمامِ رَعودُ
عَلى كُلِّ حالٍ إِن دَنَت أَو تَباعَدَت
فَإِن تَدنُ مِنّا فَالدُنوُّ مَزيدُ
فَلا اليَأسُ يُسليني وَلا القُربُ نافِعي
وَلُبنى مَنوعٌ ما تَكادُ تَجودُ
(قيس بن ذريح).

هذه واحدة من الأماني التي لن تتحقق مهما شئنا؛ أن تعود الأيام، فكل ما فات مات ولا تنفع الأمنيات. كلنا نحب الماضي، فيه الذكريات والأحلام وسنوات الشباب والحبّ واللامبالاة واللامسؤولية. هذه الذكريات هي ما توجهنا نحو المستقبل وتسيرنا للأمام، فإما تغيير المسار المستقبلي أو نتيه.

وددتُ في هذه الخاطرة أن أتوجه للذين يعيشون في جلباب الماضي لأقول: إن لكلّ زمان قيمة، وقيمته ما يحدث فيه. نحنّ إلى الماضي ونعيش في الحاضر ونفكر في المستقبل. الذكريات والعواطف هي ما يميزنا كبشر عن غيرنا من سائر المخلوقات، من دونها نكون مخلوقات من صنف آخر. نكبر ويذهب من الذكريات شطر ويبقى شطر آخر. من الطبيعي جدًّا الحنين والشوق إلى الماضي؛ بيوت ربينا فيها صغارًا وأصدقاء كبرنا معهم. هذا لا يتعارض مع كوننا نشيخ ونكبر ونبني ذكريات كلما تجدد الزمان!

تعالوا إلى مشهد آخر من تمني العودة، وأنتم بعيدون في سيرتكم عنه إن شاء الله! لو عاد الزمان هل نعيد سيرة حياتنا ذاتها مثقلة بنفس الأخطاء؟ إذن ما الفائدة؟ {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)}.

في هاتين الآيتين إشارة إلى بعض المواقف التي يأسف حين يراها أصحابها ويصيبهم الخوف والهلع. يقولون في حسرة واضحة: ليتنا نرجع إلى الدنيا لنعوض عن أعمالنا القبيحة، ونعمل للنجاة من هذا المصير المشؤوم، ونصدق آيات ربنا، ونقف إلى جانب المؤمنين. لكن
ذلك ليس أكثر من تمنّ كاذب، تمنوه لأنهم رأوا في عالم الآخرة، عالم الحقيقة، كل ما كانوا يخفونه -من عقائد ونيات وأعمال سيئة- واضحة أمامهم. حين ذاك استيقظوا يقظةً مؤقتة عابرة فرضتها ظروفٌ طارئة، ولذلك لو افترضنا المستحيل وعادوا إلى هذه الدنيا مرة أخرى فإنهم يفعلون ما كانوا يفعلونه من قبل وما نهوا عنه.


error: المحتوي محمي