02 , يوليو 2025

القطيف اليوم

مع أخي في أصيَاف الكويت!

لو عاد بي الزمان -نصف قرن- لكتبتُ كلّ ذكرياتي قبل أن يعفو عليها الزمن وتذهب مع رياح السنين. ليس لأنها قيّمة! أبدًا هي لا تساوي فلسًا أحمر إلا عندي وعند عائلتي التي تحبني، فهي ثمينة جدًّا! لذلك أقول لكل من يقرأ: أكتب ذكرياتك، جميلة كانت أم غير ذلك!

طلب مني أكثر من صديق عزيز أن أواصل الكتابة في ذكريات أخينا المرحوم الخطيب أحمد الوحيد وهنا أقول لهم بكل محبة: هو شخص كنت أهابه في حياته ولا أزال أشعر بظله فوق أكتافي. عندما زرت قبره لأول مرة بعد انقضاء العزاء لم تذهب بعد رهبة الشعور الذي كان ينتابني في حضرته في حياته. في اللحظات التي أكتب فيها هذه الخاطرة عنه أعتقد أن بإمكان روحه أن تطلّ من النوافذ من خلفي وترى ماذا أكتب عنه، فعليّ الحذر ثم الحذر! وعليّ أن أكون أكثر حذرًا حينما أكتب عن أحداثٍ مضى عليها أكثر من نصف قرن وبدأت تتلاشى مع مرور السنوات!

حذار أن تكتب عن ذكريات شخصٍ مات، لا يستطيع قراءة ومعرفة ما إن كان ما تكتب عنه صحيحًا أم لا! ولا تعرف هل يرتضيه ولا يمانع أن يعرفه الناس أم لا؟! فأنت لست حرًّا هنا. وإن توفرت الأمانة والدقة في النقل قد لا تتوفر المعلومة الموثوقة والمفيدة، لذلك لن أجازف بالكتابة عنه كثيرًا!

كان أثره الأكبر في شخصيتي وفي شخصيات إخواني قبل أبنائه. طرائف وفوائد صحبته رحمه الله كانت جمة، لا تعد، فكم من صيف قضيناه في مدينة الكويت - العاصمة، حيث المنام في الحسينية الجعفرية والأكل في المطعم الأصفهاني، القريب منها والتلهي في بقالة العجوزين "غلوم وزوجته" من بلاد فارس. في وقت كل وجبة في المطعم كنت أحاول أن أحكي له ما كنت أشاهد في التلفاز باللون الأبيض والأسود آنذاك، حيث كان بالنسبة لي متعة كبيرة إذ لم يكن في بيتنا تلفاز بعد! أضحك في سري كثيرًا عندما سألني ذات مرة: ماذا في التلفاز؟ ولأني صغير السنّ شرحتُ له ما كنت أرى وكان عبارة عن فيلم كرتون للأطفال، شرحته بطريقة سخيفة لن أذكرها أبدًا!

ساعة ما بعد الغداء كانت أجمل ساعة! أغطّ فيها نومًا عميقًا في جوّ بارد مكيّف بالهواء حتى يوقظنا العامل الأهوازي "جبار"؟، لم يكن في بيتنا في جزيرة تاروت آنذاك سوى مروحة هواء معلقة من السقف وكنا نقضي أشهر الصيف في حرّ شديد ورطوبة عالية.

عندما يكون منشغلًا في الصباح، أقضي الوقت متجولًا في أسواق الكويت؛ المقاهي العجمية، فترينات الملابس، السيارات الحديثة، سوق الفواكه والخضار والقصر الأميري الذي استوقفتني عبارة كتبت على مدخله " لو دامت لغيركَ ما وصلت إليك". لا أتذكر أن حراس القصر منعوني من الاقتراب لأنهم حتمًا رأوا طفلًا قاصرًا بريئًا، لا غاية لديه سوى التسكع والتلهي. مناظر عادية لولا أنني كنت طفلًا قادمًا من بيئة متواضعة جدًّا ما لفتت نظري!

التقينا في بعض السفرات المرحوم الشيخ الجليل علي بن الشيخ منصور المرهون وكان عطوفًا معي، كما التقينا السيد الخطيب عمران السادة -مدّ الله في عمره- من مدينة صفوى وشخصيات أخرى. كذلك التقينا خطباء من العراق في طريقهم إلى الأحساء ولأنه من القطيف كانوا يطلبون منه أن يعلمهم الطور الأحسائيّ والقطيفي فلا يمانع!


error: المحتوي محمي