27 , يوليو 2024

القطيف اليوم

مرحبًا بك يا صغيري في عالم الكبار.. من طرائف صحبة أخي!

الحياة أسرع حلم ينقضي ويبقى من الأحلام الذكرى. تذكر الأيام الخوالي ليس بغرض الاجتراء أو التندر والسخرية إنما بغرض استذكار الأوقات البريئة الطيبة التي لا تنسى:

فَالعَيشُ نَومٌ وَالمَنِيَّةُ يَقِظَةٌ
وَالمَرءُ بَينَهُما خَيالِ ساري
وَالنَفسُ إِن رَضِيَت بِذَلِكَ أَو أَبَت
مُنقادة بِأَزمَّة الأَقدارِ

صحبتُ أخي رحمه الله في سن الطفولة المبكرة جدًّا -وكل إخوتي صحبوه- ولا بد أن تحصل طرائف عديدة في مدة طويلة وأريدك -القارئ الكريم والقارئة الكريمة- ألا تنسى الفترة العمرية التي حصلت فيها الطرائف والزمان والمجتمع الذي حصلت فيه ومشقة التنقل من مكان إلى مكان آنذاك. أنقل بعض المشاهد وإلا فهي كافية أن تكون كتابًا كاملًا!

النوم في المجالس: لم يكن عندي وقت كافٍ للنوم في الليل حيث في شهر محرم -مثلًا- جدول الأخ يبدأ قبل طلوع الشمس وينتهي في وقت متأخر من الليل. يصعد المنبر في نحو الساعة الخامسة صباحًا فأجد فرصة في المجلس أنام فيها كما ينبغي للطفل الصغير. بعد انتهاء المجلس يوقظني أحد الحاضرين أو يناديني أخي! أنام في أي مكان يسعني النوم فيه!

تقدير المسافة: حتى أطفال اليوم لا يعرف الفرق بين المتر والكيلومتر! يحصل كثيرًا أن يسألني أخي: كم تظن المسافة الباقية؟ جوابي يكون: المسافة تقريبًا تساوي من بيتنا إلى بيت فلان أو من بيتنا إلى دكانِ فلان! ثم يتضح جيدًا أن المسافة أضعاف ما قلت له! يتكرر السؤال ويتكرر الخطأ!

التيه في سكك العراق والأحساء: في يد أطفال اليوم أجهزة إلكترونية تدلهم على الأماكن القريبة والبعيدة، إذا عرفوا كيف يستخدمونها. لم تكن سوى الذاكرة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي تسعفني بتذكر مكان قصدته من قبل. تتغير بعض ملامح الطريق أو يغيب عن ذاكرتي في أي طريقٍ أو زقاقٍ مشينا فنتوه، وما ينقذنا من التأخير سوى أن نقف دقيقة ونسأل العابرين عن المكان.

اللعب مع الأطفال: أحيانًا كثيرة أوصله وأخرج للعب مع الأطفال وعندما ينتهي لا يجدني موجودًا فيبحث عني. 

رحمه الله، مع كل هذه المواقف والطرائف كان صبورًا معي! في ظني أن في بعض الذكرى سعادة لنا ونحن الآن في خريف العمر. أما في حينها فرأينا في بعضها ثقلًا ومشقة! أطفال يكبرون ويصنعون المعجزات ويبقى الطفل طفلًا يحب اللهو واللعب والأكل والنوم. سُنّة الحياة أن يرتقي الطفل إلى شابّ يافع مملوء بالحياة ثم يعود شيخًا كبيرًا "ينام في المجمع ويسهر في المضجع"!
وَتَراكَضوا خَيلَ الشَبابِ وَبادِروا
إِن تُستَرَدَّ فَإِنَّهُنَّ عَواري
فالدهر يَخدَع بِالمني وَيغُصُّ إِن
هَنّا وَيَهدِمُ ما بَنى بِبوارِ

رحمه الله ومنحه السكينة الدائمة، وإذا بقي في العمر بقية ربما أكتب عن بعض المشاهد مستقبلًا. أما الآن فسأدعه يستريح!


error: المحتوي محمي