27 , يوليو 2024

القطيف اليوم

سوالف لول «لا تُسقط الورقة - 10»

السالفة العاشرة - لا تُسقطِ الورقة

سوالف لول عبارة عن قصص وعبر نبحر بها عبر الزمان ونلتقي فيها شخصيات مختلفة تحدث لها أحداث معبرة نستفيد منها - إن شاء الله.

قصةُ الدنياِ كتابٌ فيهِ للخَلقِ فصول

على الله توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير.

نحنُ في الدنيا نعودُ لحكايا الأولين

نأخذ العبرةَ منهم بين شكٍ ويقين

وسعيدُ الحظِ فينا من يرى عينَ اليقين

ورقة التوت رمز الستر وهي بين المفضوح والمستور، ولأنها كذلك كانت السالفة (القصة) هذه والتي كانت في الزمان البعيد (مو مرة بعيد يعني) والذي نعود إليه بخيالنا.

كانت هنالك في تلك المدينة امرأة ذات خلق وجمال، وكانت بقدر ذلك تحب الخير لأهلها وجيرانها وتعمل الصالحات، ولأن كل إنسان مبتلى (وهي سنة الحياة الدنيا) بما سوف يحاسبه الله عليه!

هو ذا اختبارك يا فتى ما أنت فيه على المدى
إن كان خيرًا ما به أو كان شرًا إن بدا
فكلاهما فيه الجزاء لما قصدتَ مغردا 

نرجع للمرأة الصالحة التي ابتليت بحب الملابس الجميلة والتزين بها، والتي كانت دائمًا ما تشتري الملابس أو تخيطها عند الخياطة (في ذلك الزمان)، ومرت السنوات وهي تحاول أن تقلل من شغفها للملابس الجميلة دون جدوى، فما من مناسبة تأتي من عيد أم فرحة إلا اشترت له وما من زواج لأحدٍ إلا استعدت له بالجديد، حتى في الأحزان لا يرى عليها إلا الهندام المرتب وذلك ليس عيبًا ولكن بحالها لا يتكرر، وقد أثر ذلك على مصروفات بيتها، فهي بالكاد تستطيع توفير المال إن بقى للأكل والشرب بعد أن تشتري الجديد والجديد من الملبس، وبعد أن امتلأت خزائنها منها، ولكي تقلل من ازدحام الملابس عندها أصبحت تهدي بعض الملابس لمن حولها من النساء من جيرانها وأهلها، وهن لا يعلمن السر في ذلك العطاء اللامحدود ويشكرنها دائمًا على كرمها، فهي بالأصل امراة صالحة وقلبها طيب ولا يُعلم من ظاهرها إلا خيرًا، وفي يوم من الأيام وبعد أن أخذ الزمان مأخذه منها وأصبحت ممن يتكئ على العصا في مشيها وقيامها، لم يوقفها ذلك أيضًا وكان ذلك اليوم مع بداية شهر رمضان المبارك وقد أعطاها أحد أقربائها مالًا لشراء مؤونة شهر رمضان، فهز المال الذي بيدها شغفها وحرك شوقها للملابس الجديدة ولم تستطع كبح جماح شهوتها العارمة لذلك، فقامت متكئة على العصا زاحفة إلى بائع الملابس لشراء الملابس الجديدة وعندما قاربت إلى ذلك الدكان جاءها طيف بهذه الكلمات:

حكاية من يرجو لسالفةٍ عودُ وماضٍ لهُ يشتاقْ يوم بهِ بدرُ

شبابٌ به الأشبالُ تَمثلُ أُسدها تحنُ إلى الآجام والتلُ والبرُ

وتلهوا مع الأقرانِ ليس بها أذىً جميلةُ أخلاقٍ إن أسرفَ الشرُ

ودارتْ بها الأيامُ شيخًا وشيبةً وفاتنةً يومًا وحانَ لها دورُ

(عَجوزٌ تُرجّي أنْ تَكونَ فَتيَّةً وقَد نَحِلَ الجَنبانِ واحدَودَبَ الظَّهرُ)

(تَدُسُّ إلى العَطّارِ مِيرةَ أهلها وَهَل يُصلِحُ العَطّارُ ما أفسَدَ الدَّهرُ؟)

عندها وقفت وقالت (لا تُسقطِ الورقة) (وإن جاءت متأخرة خير من ألا تأتي أبدًا)، لن أشتري الملابس بهذا المال وأفضح نفسي بعدم وجود مؤونة الشهر الكريم عندي عندما يزورني أهلي وجيراني، وعادت واشترت المؤونة للشهر الكريم وبدت الانتفاع بما لديها من ملابس عليها وعلى من تحب ومن يحتاج.

اللهم أعنا على بلاءنا في دنيا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبدًا فنكون من الخاسرين أعمالًا ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [سورة الكهف 104].

السالفة القادمة – كليب الذيب.



error: المحتوي محمي