
ربما نسينا أو تناسينا وظيفتنا الأساسية في هذه الحياة، فالله سبحانه وتعالى أخذ علينا عهدًا بالطاعة.
فالعهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم في عالم الذر حين خلق أباهم آدم عليه السلام، ومسح على ظهره فاستخرج منه كل من سيولد ويخرج من صلب آدم إلى يوم القيامة، هذا الميثاق هو إقرارهم بتوحيد الله تعالى والموالاة لمحمد وآل محمد وطاعته كما قال سبحانه وتعالى: “وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ” {الأعراف ١٧٣}.
تكوَّن هنا عالم الأرحام وبدأت رحلة الحياة تسير بنظام، حسب ما هو مقدر لها محفوفة بعناية رب القدرة، قال تعالى: “وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى” {الحج: ٥}.
وإن أي خلل أو نقص يحدث أثناء عملية التكون والتشكل للخلايا سواء هذا الخلل والنقص من عوامل وراثية أو عوامل خارجية عارضة تؤثر على سلامة الجنين فيخرج إما سليمًا أو معاقًا، رحلة لا تتجاوز التسعة أشهر وربما أقل حسب ما قدر لها، بعدها تبدأ رحلة الحياة والعمل وأداء الأمانة وتنفيذ العهد والميثاق.
فأمام الإنسان طريقان لا ثالث لهما، قال تعالى “وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ” {البلد ١٠}، إما شاكرًا وإما كفورًا، فهنا اختيار الطريق مسؤولية الإنسان، وهذا الاختيار يترتب عليه مسار حياة ما وراء عالم الحياة، أي حياتنا البرزخية، فأي خلل أو نقص أو تقصير سواء من حيث العبادات أو المعاملات فإنه يولد عندنا إعاقة وتشويه ينتقلان معنا إلى عالم “وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ” {الصافات ٢٤}.
قال الإمام علي (ع): “ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي، ولكن إذا متنا بعثنا لنسأل عن كل شيء”، ففي عالم الأرحام تنتقل الإعاقة الجسدية إلى عالم الحياة، أما في عالم الحياة تنتقل الإعاقة الروحية إلى عالم الأرواح.
فلنستغل رحلتنا القصيرة في الحياة ونجند لها كل طاقاتنا الجسدية والعقلية والروحية للوصول إلى طريق النجاة وإخلاء المسؤولية، وهذا يتطلب منا أن نعرف أنفسنا فمن عرف نفسه عرف ربه، وأيضًا أن نؤمن بقدراتنا والطاقات الكامنة بداخلنا، فاختيار الله جل وعلا للإنسان ليكون خليفته في الأرض وحمل الأمانة لم يكن عبثًا.
فالإنسان صار خليفة الله في الأرض وحمل الأمانة بخاصيتين، هما العقل والإرادة، ومتى ما وظفنا هاتين الخاصيتين بالشكل السليم تحقق الهدف وأدت الأمانة.
فالأنبياء عليهم السلام من آدم إلى النبي الخاتم وأهل بيته عليهم السلام وأتباعهم هم خير من أدى الأمانة وأحسن الخلافة، فبالإيمان وقوة الإرادة تتحقق المعجزات، فلنعمل عملية تنقيب لطاقات الكامنة في داخلنا ونستخرجها وننشطها بقوة الإيمان، لتكون مولدًا ومصدرًا للوقود يمدنا بالقوة لمواصلة الطريق وتحويل الصعب إلى سهل.
طاقاتنا المهدورة إلى أين؟ عندنا من الطاقات المهدورة حدث ولا حرج، لو استخدمت لغيرك وجه الأرض حيث لا مستحيل، إذا وجد العقل والإرادة والإيمان، فالعظماء لا يمتلكون قوة النفوذ ولا قوة المال ولكن بالإرادة والإيمان تدين لهم الإنسانية جمعاء.
لنحسن استخدام طاقاتنا المبذولة ونقلل من هدرها، لنلقي الضوء على مصادر هدر الطاقة عندنا .
التفكير في الماضي والتحسر على ما مضى هدر لطاقة، الحزن والهم هدر طاقة، فأنت لن تغير شيئًا، فالأقدار تسير مثلما هو مقدر لها.
الفراغ وضياع الوقت هدر طاقة، السهر والنوم الزائد هدر طاقة، الثرثرة من غير فائدة هدر طاقة وهلم جرا….
هذا بالإضافة إلى هدر طاقة من نوع آخر، وهو الأخطر من بين كل الأنواع السابقة، وهو ما يستنزف عندنا كميات مهولة من الطاقة حتى يصل إلى المخزون الداخلى ويسلبنا الإرادة ويستعبدنا ويغير من برمجة عقولنا ويحبسنا لساعات طويلة دون حراك وفي معزل عما يحيط بنا “إن شا الله تحترق الدنيا” ما نحس ولا نزحزح من مكانا، ألا وهو الجوال، فهو أكبر مستهلك لطاقة بقوة تبلغ آلاف الفتلات (أو الواط) من الكهرباء البشرية (الطاقة)، بالفعل كارثة.
السؤال هنا إلى أينا نحن سائرون؟؟! الله المعين، في الحديث القدسي : ﴿عبدي أطعني تكن مثلي أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون﴾.