القرآن نبراس للحوار الناجع

في القرآن الكريم نماذج كثيرة من الحوارات ذُكِرَتْ فيه لترسم للإنسان خارطة طريق للحوار الراقي وتقبل الآخر.

من النماذج الحوارية؛ الحوار بين الله سبحانه وتعالى والملائكة، وبين الله سبحانه وتعالى والأنبياء، وبين الأنبياء وأقوامهم، والأنبياء وأولادهم، وكذلك بين الله جَلَّ جلاله وإبليس لعنه الله.

هذه الحوارات أساسها إلقاء الحجج الدامغة لتصحيح مسار المخالف بدون ازدراء لفكره.

الحوارات قائمة على دحض الحجة بالحجة والدليل بالدليل.

بالرغم من أن أحد طرفيها مالك الملك الله سبحانه وتعالى، لم تكن الحوارات متعالية بل في قمة التواضع.

حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة، بعد خلقه الإنسان ليجعله خليفة له في الأرض وأمرهم بالسجود له، رفضت الملائكة الامتثال لأمر الله بحجة أنه ظالم سفاك للدماء، بينما هم يسبحون بحمد الله ويقدسونه.

انتهى هذا الحوار بتبيان حقيقة هذا الإنسان من الله سبحانه وتعالى للملائكة، جعلهم يقرون بعلم الله المطلق والتصديق به.

الحوار بين الله تعالى وإبليس لعنه الله نموذجًا يُحتذى به لإنجاح حواراتنا، كان هذا الحوار بين الله تعالى الحق المطلق وبين إبليس الباطل المطلق.

كان هذا الحوار راقيًا نموذجيًا ساقه القرآن ليزودنا بخارطة طريق للحوار الناجع، تم تقديمه لنا بطريقة نموذجية لنستخلص منه العبر ونجعله خارطة طريق للحوار الناجع بيننا.

خلق الله تعالى الإنسان من طين ثم أمر الملائكة بالسجود له، سجد الملائكة جميعًا إلا إبليس أبى واستكبر رافضًا الامتثال لأمر خالقه.

هنا بدأ الحوار بين الله تعالى وبين إبليس بأسلوب متواضع ومنهجي وعلمي قائم على الدليل والبرهان.

بالرغم من علم الله المطلق بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، سأل إبليس لعنه الله عن سبب عدم امتثاله لأمره تعالى، استحضر إبليس حجته متفاخرًا ومتعاليًا ظنًا منه بأنه أفضل من الإنسان.

في هذا الاستحضار، أجرى إبليس مقارنة بين خَلْق الإنسان من الطين وخلقه من النار ظانًّا أن هذه حجة دامغة، إِذْ لم يكن للنار فضل على الطين وهذا يدحض حجتهُ، وكذلك هذا السجود للإنسان كان سجود تحية لا سجود عبادة.

نستخلص من هذا أنه من الواجب علينا أن نكون في حواراتنا لَيِّنِّي الجانب.

تكون سمتنا في الحوار مع المخالف التواضع.

تكون منهجيتنا في حواراتنا دحض الدليل بالدليل.

نبتعد عن الشتائم والسباب والذي ينزل بمستوانا الأخلاقي للتسافل.

قصدنا من الحوار الوصول للحقيقة باستقصاء الأدلة وسوقها أمام المحاور.

أن نضع نصب أعيننا التجرد مما نظنه الحق المطلق والانفتاح على جميع الآراء.

أن نحترم فكر المتحاور وإن لم نصل للنتيجة التي نرغب بها.

نخرج بمحصلة نهائية احتواء الرأي المخالف والبحث في أدلته.

نمثل الأخلاق التي ننتمي لها فكريًا وعقديًا.

نستنتج من ذلك أن نكون راقين في حواراتنا متواضعين نتبع الدليل لا الهوى.


error: المحتوي محمي