اختمارُ الخطايا

يدخلُ الشيطانُ حياتنا مبكرًا، لا يغفل أيَّ جهدٍ في تجميلِ التفاحةِ التي تخرجنا من طاعةِ الرب والجنة، تبدأُ ذاكرتنا في التشكلِ وتحفظ المشاهدَ وتفاصيلها الدقيقةَ وكُلَّ الأسماءِ والصفاتِ لكن تتوقف وتنشل كل حواسنا وتضعف ذاكرتنا حين نبدأ تعلم دعاءِ الرب والصلاة، يحتدمُ الصراعُ بين شهوةِ الجسدِ وواجب الروحِ منذ الصغر، بين الصدقِ وبذرةِ الكذب التي يرميها الشيطانُ في أرضِ روحنا، نبتدعُ المساومةَ مع الرب في أوامرهِ وكل ما يمنعنا من الدنو منه ونهرب منه إلى واحةٍ نراها أكثرَ خضرة من واحته، أتكفي واحدةٌ يارب؟ وعندما نكبر اثنتانْ؟ وفي الواحدةِ نقف نهتز مثلَ الشجرةِ الضعيفةِ في الريح، ليس من خشيةِ العقابِ ولكن لا يسكن الجسدُ ما لم تثبت الروح، يظل الشيطانُ يهز أرواحنا وأجسادنا في الصلاةِ مهما بلغَ رقمُ أعمارنا في الشيخوخة.

ننامُ صغارًا ملءَ جفوننا صيفًا وشتاءً وعندما يحينُ النداءُ يقول لنا الشيطانُ: هلاَّ نمتم قليلًا! يضرب النومُ على آذاننا ونتمنى أن تطولَ نومتنا ويذكرها التاريخُ مثل نومةِ الكهف، يبقى شيطانُ النعاسِ يجري في دمائنا بعد ذبولِ أغصاننا كأننا اكتشفنا في النومِ لذة لا تزول! إن زالَ النعاسُ جاءَ شيطانُ الكذب، يصرخ الشيطانُ في آذاننا ولا يسمعه غيرنا: إذا سألك المربي قل له صليت، حينها يحتار المربي أن يقول لك: “كاذب” وهو يعلم أو يقول: “لك ما تريد”.. نتفنن في الكذبِ في الصباحِ والمساء، لن يعرفَ أحدٌ سوى الرب الذي سوف يسامحنا بعد أن نكبر ونتوب. معجزةُ الشيطانِ في نجاحِ الحيلِ وبعدها يعلمنا كيف ننسج شبكةَ الكذبِ ونقول هي الحيلةُ والذكاء، في البيعِ وفي الشراءِ وفي المدرسةِ وفي البيتِ وفي كُلِّ الحياة.

نضحك من خطايانا في الصغرِ وهي التي تأسرنا في الكبر.. نحل أعقدَ المسائل في الصلاةِ ونخترع ما عجز عنه العظماء ونستعيد ما ضاع من ذاكرتنا منذ سنين، تقوى كُلُّ حواسنا وتضعف أرواحنا والشيطان يقول لنا: ما تفعلونهُ في الصلاةِ غير الصلاةِ خدمةُ الرب فلا تستنكفوا منه ولكم أن تفعلوهُ كُلَّ صلاة.. تأخذُ سوقُ الدنيا كُلَّ زماننا وحين ندخل سوقَ الرب نركضُ نحو باب الخروج.. نقيس الزمنَ بالأيامِ والأشهرِ والسنوات ونعطي الربَّ ثوانٍ تطول كأنها الدهر كله، نأخذُ لأنفسنا الدينارَ ولا نعطي الرب الدرهم!

من ليس نبيًا أو ممن اصطفى الربُّ من البشر وطئَ شوكَ الخطايا يومًا ما وعندما لا يرفع قدميه يعتاد ألمَ الخطايا في طولِ طريقِ الحياة.. خطايانا في الصغرِ تكبر في أعمارنا ويغطي وشاحُها الأسودُ أرواحنَا إن لم ننزعه سريعًا.. رباه: إننا لسنا سوى بشر وطبيعة البشرِ أن تخورَ قواهم عند مصارعةِ الشيطان إن لم يأتيهم المدد، نصلي ونسمع أصواتًا تنادينا أنْ تعالوا واشربوا من خمرِ المعاصي والخطايا، أصواتًا لا يمنعنا من سمعها وطاعتها سوى مددك لنا صغارًا وكبارًا، أعطنا إياهُ يا رب، صفاتٌ وأفعالٌ رأيناها في أنفسنا مثلَ السلاسلِ والأثقالِ لا تُحل من عنقِ المحكوم.

يولد البشرُ ويُلفونَ في حرائرَ بيضاء ويعطيهم اللهُ صحائفَ بيضاء. يلونونَ كُلَّ شىءٍ بعد حين، الثيابُ والصحائف.. الثيابُ جميلةٌ في كٌلِّ ألوانها ولكن الصحائفَ ليس لها إلا لونٌ واحد!


error: المحتوي محمي