دمٌ في قوس!

قوسُ قزحٍ الذي يشحُ ظهورهُ في سمائنا يتدرجُ في الألوانِ من البنفسجي، واللون النيلي، واللون الأزرق، واللون الأخضر، واللون الأصفر، واللون البرتقالي، واللون الأحمر مرتبةً من الداخلِ إلى الخارج.

الأحمرُ هو لونُ الدم، ذاكَ السائلُ الأحمرُ القرمزي المشرقُ العميق القوي الذي يجري في عروقِ كُلِّ البشر وفيه الحياة. تتقطع أحشاؤنا عندما نجرحُ أنفسنا ونُخفي منظرَ الدمِ عن صغارنا حتى لا يعتادوا أن يروه، لَكِنَّ الدمَ انبعثَ في عالمنا المجنون في كُلِّ شاشاتِ وصفحاتِ الحياة! سالَ مثل سيلانِ المطرْ.. قبل سنواتٍ عندما يمر لونُ الدمِ أمامنا نشيح ناظرينا ونقول: لن ننظر إليه.. والآن تبلدت جميعُ حواسنا وأرواحنا من كثرةِ ما رأينا السائلَ القاني وصرنا نأكلُ ونشربُ ونلعبُ ونتحدث والمناظر تمر وكأنها صورُ حدائقَ ومروجٍ وورود.

وكَأَنَّ ذلكَ المنظر لا يكفي، إن اشتريت لعبةً لصغيركِ لن يرى فيها سوى الدمَ في كُلِّ شيء، الدمُ والقتلُ جزءٌ من اللعبِ والمرح.. يفرحُ الصغارُ متى ما قتلوا أعداءهم في اللعبِ ومن حيثُ لا يعلمونَ سوفَ يقتلونَ أصدقاءهم وأحباءهم فليست اللعبةُ سوى تمرينٍ على القتلِ دونَ الشعورِ بالخوفِ وأحاسيسِ الذنبْ.. وإن لم يجد الصغيرُ من يقتل ربما قتل نفسه.. صبغت الرأسماليةُ الدمَ بألوانِ الفرحِ والتسلية وجرى في عروقِ الصغارِ بكل لونٍ سوى اللونِ الأحمر.

يحق للصغارِ أن يكبروا في ألوانٍ زاهيةٍ بيضاءَ وردية، فهم زرعُ الحاضرِ ونتاجُ المستقبل إن أنضجتهُ ألوانٌ زهريةٌ امتلأَ بالمحبةِ وإن أنضجتهُ ألوانٌ قرمزيةٌ يحصد الزارعُ ما زرع! تأتي نشرةُ الأخبارِ في عالمنا العربي وفي نفوسنا أحلامٌ عن اختراعاتٍ واكتشافاتٍ وصحة وعلوم وعندما تراها تمر مناظرها كأنك تسير في مدينةِ الأموات!

يأتي يومٌ تمتلئُ الشاشاتُ ألوانًا بيضاءَ زهريةً وألوانَ قوسِ قزح دونَ الأحمر وتتوقف الشياطينُ عن صنعِ ما يقتل الأطفالَ ولكن قبل أن يأتي ذلك اليوم علينا أن نرفعَ رأسَ الصغيرِ عن تلك المناظر ونسأله: ماذا ترى؟ نحن الكبارُ من يقرر اللونَ الذي يراه وليس الشاشة الصغيرة.

لا تدرك الثيرانُ التي يقتلها البشرُ الفرقَ بين الألوانِ ولا يهيجها اللونُ الأحمر ولكنها يصيبها الخوفُ من ذلك الإنسان الذي يغريها بقطعةِ القماشِ الملونة وفي يدهِ الأخرى الحديدة يريد غرزها في ظهرها وقتلها، ليس القماش الأحمر إلا محاولةَ إخفاء لون الدماء الأحمر.. هكذا صار تجميلُ العنفِ مثل خلطِ العسلِ في السم! يقسو القلبُ ويتمظهر العنفُ عندما نعتاد الدمَ من حيث لا ندرك، في الشارعِ وفي الأماكنِ العامة وفي المنزلِ وفي كُلِّ زمان.

أعطانا الربُّ العواطفَ التي تَفرح في الحياةِ وتَحزن في الممات. ربما لا نصل الحافةَ التي ننحدر منها نحو التيه ولكننا دون ريبٍ تصدأ عاطفتنا وتذبل عندما يسقط عليها منظرُ قطراتِ الدمِ بدلًا من قطراتِ الندى التي تعكسُ ألوانَ قوس قزح الأخرى كلها…


error: المحتوي محمي