خرجت من الجامعة -جامعة الدمام-، وكلي حسرة وألم، ألملم دموعي، لأصرخ في الأفق، لأعانق الغيمات الزرقاء، أقول: أريد الدراسة في الجامعة، كغيري، وأتساءل، إيه، لماذا لا تفتح هذه الجامعة القبول، كغيرها من الجامعات في مملكتنا الحبيبة، نعم، ما زلت في بحث دون كلل أو ملل، فالعلم لا يتوقف عند فترة معينة. هذا ما أراه، وأنتمي إليه فكرًا، وحياة.
بهذه الكلمات، أشاحت الكفيفة زهراء علي الصفار، المنحدرة من بلدة القديح في محافظة القطيف، عن مكنونها الشغوف في طلب العلم، وإكمال دراستها الجامعية، التي لم تتكلل بالنجاح، لتطرق الأبواب، لكن دون جدوى من قطرات معين، هي، وزميلاتها من المكفوفات، اللاتي طرقن باب جامعة الدمام، التي لم تقبل حتى باستلام ملفاتهن، لتأتي مرحلة إكمال الدراسة الجامعية، لديهن عائقًا ومشكلة، تقض مضاجعهن، لتكن الدقائق في دنياهم ألمًا، يحكيه القلق من المستقبل.
فقدان البصر
تبدأ قصة “الصفار” مع فقدان البصر منذ ولادتها، حيث كانت لديها مشكلة مستديمة في العين وهي انفصام في الشبكية ورأرأة بالعينين، إلا أنها لم تكتشف حينها، إلا بعد دخولها العاشرة ربيعًا.
تحدثت زهراء لـ«القطيف اليوم»، بأنها في العاشرة ربيعًا من عمرها الزمني، لم تكن كفيفة، تبصر الأشياء من حولها، تتمتع بنعمة البصر، تجلس على مقاعد الدراسة، ترسم الأحرف، تكتب الكلمات، تحدق في الطالبات، تمعن النظر في معلماتها، لتستفيد من شرحهن، وبعد العاشرة، نظرها بدأ يضعف والرأرأة تزداد، كانت حينها تدرس في المدرسة الابتدائية الأولى ببلدة البحاري، مع المبصرات. حصلت على شهادة الصف الرابع الابتدائي، ليضعف النظر تدريجيًا في الصف الخامس، حيث لا تستطيع القراءة والكتابة، كانت دراستها شفهية في كل المواد.
وبلغة الأسى، قالت: “وبعد حصولي على شهادة الصف الخامس الابتدائي، لأكون في الصف السادس، حينها لم أر شيئًا، لا أبصر المقاعد التي كنت أبصرها”، لا ألوان جدران مدرستها، حجرتها الدراسية، ملامح زميلاتها الطالبات، الكتب المدرسية، دفاترها وألوان أقلامها. انقطعت عن الدراسة نهائيًا، وجلست في المنزل خمس سنوات، سعيًا دؤوبًا في البحث عن دراسة لها، حيث كانت الدراسة لا توجد للمكفوفين إلا بمحافظة الأحساء، ولم تتوفر في المناطق القريبة، وبعد السنة الخامسة، افتتح الدمج البصري بمدينة سيهات، تكتنفها فصول خاصة ملحقة بالابتدائية السادسة.
وأضافت أن الأستاذة أحلام العوامي، المعلمة ببرنامج الدمج البصري ونائبة المقرر للجنة النسائية بمركز رعاية المكفوفين بالقطيف، والمعلمة لطيفة العقيفي، قامتا بمساعدتها في الالتحاق بالدراسة، حيث تم تدريبها على برايل ثم الحاقها بالصف الملائم، لتنتقل بعدها إلى مدرسة الدمج المتوسطة الأولى في سيهات، حيث بدأ تطبيق الدمج الكلي بالدراسة في الفصول، مع الطالبات بالمدرسة، حينها أكملت دراستها المتوسطة بين أروقتها، ثم التحقت بدراسة في الدمج البصري الكلي بالثانوية الثانية بسيهات، لتعانق التخرج من التعليم العام، منتظرة الضوء يطل من نافذتها، لإكمال دراستها الجامعية.
إكمال الدراسة معاناة
وبأنفاس شوقها، ولهفتها، قالت: “وبعد التخرج، بدأت أبحث عن جامعة وبمساعدة معلمتي مدرسة اللغة الإنجليزي ماجدة المتروك، تجتهد الخطوات، بحثًا عن الدراسة الجامعية، ذهبت معنا إلى جامعة الدمام، لأكثر من مرة، محاولة لنا في دخول الجامعة ، لكن بدون جدوى، لم يتم القبول. بدأت أبحث عن جامعة أخرى من خلال “الإنترنت”، سجلت في جامعة الملك سعود بالعاصمة الرياض وجامعة الأمير محمد بالدمام، و لم يحصل توفيق لدخول الجامعة”.
لغة الإرادة لا تحدها الصعاب
بعيدًا عن الدراسة، لم تتوقف زهراء لتندب حظها، لترخي طموحاتها، آمالها، تطلعاتها، سعيًا في أن تكون عنصرًا فاعلًا اجتماعيًا، لتحقق ذاتها، تأتي خادمة، تتشرف بخدمة مجتمعها. في العمل التطوعي، جاءت “الصفار”، مدربًا مساعدًا للكفيفات في مركز المكفوفين بالقطيف، بإعطاء دورة النول للكفيفات، كذلك قدمت دورة في النحت للصغار بلجنة التنمية في بلدة “حلة محيش”. شاركت في معرض جائزة الإنجاز، الذي عرضت فيه أعمال النحت للكفيفات بعنوان “عيون تبصر الأمل” عام ٢٠١٢، بالإضافة إلى مشاركة في جمعية القطيف الخيرية بالنحت، ومشاركة في عدة روضات، لتوعية الأطفال والتعامل مع الكفيف، وكيفية استخدام العصا البيضاء وتعريف بطريقة برايل واستخدام الأجهزة الناطقة الملموسة، التي كان مركز المكفوفين يرشحها لتنفيذها.
شاركت في مدارس الظهران وسايتك وفِي روضة القطيف يوم الكتاب. شاركت بفقرة “كيف اقرأ وأكتب بالبرايل”، في روضة غراس وروضة براعم الطفولة السعيدة التابعة لـ”خيرية مضر”، وفي مدرسة رند بسيهات، لتعليم النول. وشاركت بأعمال النحت في يوم البصر العالمي بالابتدائية الرابعة بالقطيف المطبق بها الدمج البصري حاليًا.
وقت الفراغ والقراءة
الفراغ في حياتها، لم يكن فراغًا سلبيًا، لتقضيه إيجابيًا في قراءة القصص والروايات المسموعة والمقروءة بطريقة برايل. في “خيرية مضر” مارست هواياتها، في رعاية المكفوفين بالقطيف، لتلتحق بدورات عديدة، منها: النحت والنول والحاسب واليوقة، فن التوجه والحركة والطبخ والخوارزمي، واللغة الإنجليزية.
أمنيات امرأة شغوفة
واختتمت الكفيفة -زهراء-، حكايتها، بأن أمنيتها الالتحاق بالجامعة، أو الحصول على وظيفة، تكون رافدًا اقتصاديًا، يتخلل حياتها.