في البداية لابُد أن أعترف بأن الكتابة عن المظاهر السلبية لأي مجتمع تلقى استجابة سريعة لدى كل الشرائح، وهي تمثل حالة المكاشفة والمساءلة التي تعشقها العين، وتأنس بها النفس ويكثر الجدال فيها، فتصبح محورًا أساسيًا للمدح أو الذم، لذلك سأسلط الضوء على النظرة السلبية القاتلة التي ينظر فيها المجتمع إلى المرأة المطلقة بلا تهاون ولا رحمة، وكأنها ارتكبت جُرمًا أو فاحشة نتيجة فهم خاطئ للعرف الاجتماعي، تلك النظرة الظالمة، في الوقت الذي تكون فيه في أمس الحاجة لنظرة عطف وحنان تمكنها من العودة إلى حالة التوازن النفسي الطبيعي بعد الهزة التي أصابتها، وجعلتها تعيش حالة الانهزام بما يمكنها من الاندماج والانخراط من جديد في المجتمع.
فمعنى كلمة مطلقة هي (حرة بلا قيود) ولكن لا يعني ذلك بأنها بلا دين ولا تربية ولا عقل، فالإسلام كرّم المرأة ورفع شأنها بشكل لم يفعله دين سابق ولا شريعة من الشرائع.
للأسف الشديد ما إن يُشاع عن الأنثى أنها مطلقة إلا وتكثر الأحاديث، فهناك من ينظر لسوء خُلقها وعدم قدرتها على الصبر والتذمر أو من يتهمها بالفشل، ناهيك عمن ينظر إليها بعين الريبة والشك ويحملها المسؤولية دون الرجل، ويضربون لهن الأمثال في قصص ومآسٍ يلفها الظلم والألم، وكم دفعت النساء حياتهن ثمنًا لصبرهن على سوء الزوج وعنفه وانحراف سلوكه؟ إلا أن المجتمع أيضًا يفترض أنّ من واجبها أن تتحمل المشاكل التي تواجهها، متناسين تفاوت قدرات التحمل والصبر، وقد يزيد الأهل أحيانًا من وطأة هذا الخيار، حتى لو دُفعت إليه المرأة دفعًا فتصبح ضيفًا ثقيلًا عليهم تتعرض للضغوط من قبلهم لأتفهه الأسباب، كما أن حركاتها وتصرفاتها تخضع لمراقبتهم المستمرة وكأنها أنثى غريبة لم تُولد وتتربى في كنفهم وعلى يدهم.
كنتُ دائمًا أتساءل لماذا يصاحبني إحساس بأن مجتمعاتنا العربية تُكرس للتمييز بين الرجل والمرأة رغم أن العديد حاول إقناعي بأن المرأة هي نفسها تروج أنها مسكينة وضعيفة وليس المجتمع؟ إلى أن اكتشفت أنه إحساس داخلي ينمو داخل الأنثى لأن طبيعة المجتمع تُحرض المرأة على تقديم التضحيات وتربيتها على أنها شمعة يجب أن تحترق ليتقدم المجتمع ويزهر.
أنا لستُ من أنصار التغني بخطاب المظلومية، حتى أؤمن بأن الحقوق تنتزع ولا تُعطى إلا أنني أؤمن بأن الإنسان الذي يتربى في محيط مُحبط يُقلل من شأن كُل عمل يقوم به ولا يُشجع فيه ويتلذذ بإذلاله صعب جدًا أن يثور على مجتمعه وعلى كومة المشاعر التي زُرعت فيه وصعب جدًا أن يصرخ صرخة استنكار! لهذا يحتاج إلى من يأخذ بيده ويدله إلى طريق الأمان، ويساعده حتى يضع خطواتهِ الأولى نحو اكتشاف الذات واستقلاليتها، وهنا استمعنا لتجارب بعض الفتيات..
وكانت تجربة (فاتن) أولى التجارب:
قالت فاتن، وقد سلخ ابتسامتها الأسى: لقد مررتُ بتجربة قاسية وظروف مريرة فبعد سنة من الزواج كنتُ من خلالها أتعرض للضرب المبرح والإهانه النفسية؛ تزامنت مع منعي من مواصلة الدراسة وخروجي من الجامعة بحجة أن كلام الزوج هو المطاع واستماعي لأوامره من حسنِ التبعل، كنتُ أأكل فتات الخبز العفن وأحيانًا كثيرة أنام من دون طعام، كان الشك يسايرني في كل ما يحدث،ُ أحقًا هو ذاك الرجل الملتزم الذي لا يترك أداء الفرائض بالمسجد؟ أين كُل هذا؟ أكانت اللحية غطاء للأفعال المشينة والتستر باسم الدين؟ أم هناك من ظلمني من أبناء مجتمعي ولم يجب بحق وبصدق عند السؤال؛ أين الدين من كل أفعال هذا الرجل؟ أين الرفق بالقوارير؟ أووه هو لم يحفظ من الدين إلا ﴿مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ﴾، وحفظ أيضًا ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ من دون معنى يرددها، إلى أن اكتشفت أنه مدمن للمخدرات، حاولتُ إصلاحه، تحدثت معه بكل سرية ولكن دون جدوى! أخبرتُ والديه اللذين وبكل برود أجابا: “نحنُ نعلم ذلك منذُ فترة المراهقة، وزوجناه عشان يعقل”، ما إن وصلنا لطريق مسدود حتى طلبتُ الخلع فكانت ردود الأهل أولها: “لما لم تصبري؟”، وتوالت عليّ تلك الأمثال التي تضرب ولا تُقاس، حينها رفعتُ قضية الخلع التي لم يتم إنصافي فيها حقًا، وانتهت بإرجاعي له المهر كاملًا مع متطلبات أخرى بعد زواج دام 4 سنوات، أثمر عنهُ ثلاثة أطفال..
بتنهيدة آلم تختتم فاتن حديثها: الحمد لله رغم مرارة ما حدث لم يقتل أحلامي، فأنا اليوم امرأة ناجحة، واصلت دراستي الجامعية، وتخرجت وتوظفت ومارستُ هوايتي كفنانة تشكيلية، ألقيت حديث الناس جانبًا وبدأت في تكوين ذاتي اجتماعيًا فتعايشت مع واقعي وأنا أربي أطفالي بكل فخر.
أما مريم فبدأت حديثها قائلة: “إلى كُل أنثى؛ لا تكوني أنثى تحتاج الرجل، بل كوني أنثى يحتاجها الرجل” رافضة الذل ونظرة الدونية إلى المطلقات، وأشارت إلى أن الجميع حمّلها مسؤولية طلاقها، متناسين دور الرجل وسلوكه المنحرف؛ وتساءلت قائلة: إلى متى سيبقى مجتمعي منافقًا وغير صريح ويغض النظر عن أخطاء الرجل
رغم التقدم والتطور النسبي للمجتمعات التقليدية؟!، غير أن وضعية المرأة لم تتحسن إلا بشكل طفيف، فهناك عراقيل دائمًا تعود بنا خطوتين للوراء كلما تقدمنا خطوة للأمام، وهو دليل على أن مجتمعاتنا لا تزال تنتج نفس العقليات باطنيًا لأن أغلب مدعين الحداثة لا يزال يعيش (أبو جهل) داخلهم.
ماذا لو أتيحت الفرصة لكل امرأة؛ هل سيبقى المجتمع على حاله؟ أم أننا سنعيش ثورة في كل شيء؟!