ما لذةُ العيش إلا للمجانين

يهيمُ المجانينُ بنعمِ الله، يتيهونَ في العشقِ حتى الموت وتسكنهم الطبيعةُ لا يأوونَ إلى مسكنٍ ويفنونَ في عشقِ الخالق يرون الجمالَ لا يبلى ويتجدد يومًا بعد يوم، والعقلاءُ لا يدركونَ كم من نعمةٍ مروا بها وكأنها تبقى ولا قيمةَ لها!

لم نصل إلى الصيفِ إلا بعد أن بقينا وعبرنا كُلَّ الفصول ولا يأتي الشتاءُ إلا بعد أن نعبر كُلَّ الفصول.. عالمٌ كثير من حولنا جرفته الأيامُ واختطفه القدر.. في كلاهما أحسسنا بضياءِ القمرِ وحرارةِ الشمسِ وعرفنا أننا ندركُ ما يتغير من حولنا.. نُحِسُّ بالحرارة ونرى الشمسَ والضياء.. نبكي ونفرح ونسمع ونرى ونعرف جوهرَ الحياة.

تبلد إحساسنا أفقدنا طعمَ النعمِ حتى صارت  مبتذلة! ونبكي عندما تزول.. تذهبُ صحةُ الغني الذي يملك المليارات، لا يهمه لو أخذها كلها فقيرٌ وأبدلها بصحته يومًا واحدًا ولو عرفَ الغني يومَ رحلته الأبدية لبكى وقال: “خذوا هذا المالَ واعطوني ساعةً من نهار”.. قبلها لم يخطر بباله كل هذا ولم تكن هذه الأحاسيس سوى خرافاتٍ لا يصدقها إلا الفقراء المعدمون.. تتبلدُ أولوياتنا عندما تجتمع النعمُ ويختلط علينا أيها أكبر.. متى ما هبت عاصفةٌ على سفينةٍ في البحرِ وفيها أغنياءُ وفقراء خافَ الفقراءُ على حياتهم وخافَ الأغنياءُ على أموالهم.

يبكي المريض لوعةً إن نام في الفراشِ يومًا وقبلها تحدثه نفسه بالصحةِ الدائمة التي يعبث بها في خطاياه، في أكلهِ وشربهِ ونومهِ وكل ما يسلبها منه.. شكا رجلٌ ضيقَ حاله ومعاشه.. فقال له عالمٌ حكيم: “أتبيعَ بصرك بمائة ألف؟” قال: “لا”، قال الحكيم: “أتبيعَ سمعكَ بمائة ألف؟” قال: “لا”، قال الحكيم: “فأنت الغني بما لا يباع بثمن”.

نكبرُ وتكبر العائلة من حولنا.. يملأ الضجيجُ الدارَ ساعاتٍ وتطير عقولنا.. ريثَما يرحلون نقول: “أين هم؟ أعيدوهم ولو أصابنا الصمم”.. رباه لِمَ لا ندرك ولا نحس إلا بما لا نملك؟ لم لا تمتلئ نفسنَا بالرضا ونقول: “شكراً أيها الرب زدها”.

يكادُ القنوطُ يخيم على البشر حينما ينسونَ نعم الروح.. يستيقظونَ كُلَّ صباحٍ ويظن الكثيرُ منهم أن الله هداه وعليه أن يطهر الأرضَ ممن لم يهده الله.. ماذا لو قالوا: “الحمد للهِ على ما هدانا ونسأله أن يُشعل النارَ في الطريقِ كي يراها كل من ضَلَّ ويأتي نحوها!” لكن ذاك هو الإنسان.

من كان في نعيمٍ فليفرح بما أعطاهُ الرب ومن هو في شقاءٍ لا يقنط سوف تصل عجلةُ الفرجِ بابَ الدارِ يومًا، وعندها عليه ألا ينسى أن يقول: “ها هي قد وصلت ليس بجهدي بل بما أنعمَ به الرب ويفرح بها دون أن تتبلد وتعتادها حواسه الماديةُ وروحه.

هلا أسعدتَ نفسكَ الليلةَ عندما تذهب للنوم وتعد ما أعطاك الرب ولكن بردت أحاسيسكَ واعتدتَ على عطاياه ولم تعد تذكرها.. واحدةٌ كانت عندك أمس واليوم وتبقى في الغد.. عندما تستيقظ في الصباحِ باكرًا وتبقى مشاعركَ نحو النعم والمزايا في سباتٍ لا تسمع شيئًا لأن الناس نيام.. ماذا لو طلعَ النهارُ ولم تعد تسمع شيئاً! صغارُ النعم أغلى من فتاتِ الذهبِ فلا ننساها.


error: المحتوي محمي