رأت زوجةُ بائعِ عسلٍ أنه يعود كُلَّ يومٍ ولم يبعْ شيئاً ويعود اخوهُ الذي يبيعُ الخَلَّ وقد باعه كله. تسأل زوجَها ويقول الناسُ لا يشترون العسل! أرادت الزوجةُ أن تعرفَ السبب فخرجت إلى السوقِ حيث هما وأخذت تراقبهمَا عن كثب. تجذبُ رائحةُ العسلِ ولونه المشتري ويذهب نحو زوجها. تقول الحمد لله جاءَ زوجي ثمن الغداء، ولكن ما إن يقترب المشتري ويسأل عن الثمن يأتي الجوابُ من زوجها بعد أن ينظر إلى الشاري “أنت تسأل عن الثمن؟ أنت لن تشتري، انت لا تملك الثمن”. ثوانٍ ويهربُ المشتري منه ومن لسانه. يرى أخوهُ الذي يبيع الخل المشتري ويناديه “الخل لكَ دونَ ثمن، إن لم تملك الثمنَ اليومَ تدفع في الغد، إن لم تعجبك جودةُ الخل أعده وأعطيكَ الثمن” ثوانٍ ويشتري الزبونُ الخل. ارتفع النهارُ قليلاً وباعَ صاحبُ الخل كُلَّ الخل ولم يبع زوجها أياً من عسله الجيد. نظرت إليه وقالت: خَلٌُ لسانكِ أحال العسلَ خلاَّ فعافه الناسُ وأحال طَيِّبُ لسانِ أخيكَ خله عسلاً فاشتراه الناس.
لم تعد التجارةُ بين البشرِ خلاًّ وعسلاً في جرابٍ في الزقاق وأصبح الناسُ يبيعونَ كُلَّ شيءٍ وتحكمهم قوانينُ تجارةٍ محليةٍ وعالميةٍ ولديهم عمال وعليهم ضرائب وكلفة عمل تفرضها الدولة ولديهم مشترونَ وقاعدةُ بياناتِ البيعِ والشراء ولكن يبقى أُسُّ التجارةِ كلها المشتري. عندما لا يشتري الناسُ سلعةً تنحدر قيمتها نحو الصفر وإن كانت تبراً وإن تزاحمَ عليها الناسُ ارتفعَ السعرُ وإن كانت البضاعة تراباً وفي كلتا الحالتين من يشتري هو من يحدد السعر.
لا يستطيع تاجرٌ أن يحتكرَ سلعةً فلا بد أن يجد المشتري من يبيعه ولذلك يحتاج البائع:
أولا: أن يضع نصب عينيه أن هناكَ زبونٌ واحد فقط وهو الواقفُ أمامي ولا بد لي من إغراءهِ حتى يشتري. وعليه أن يفكر أن هناك تجارٌ آخرونَ كثرٌ يبحثون عن هذا الزبون وسوف يبيعونه ما يشتري. يبحث الزبونُ عن جودةِ السلعةِ في قياسِ تكلفتها وفي كثيرٍ من الأحيانِ يبحث عمن يساعده على الاعتناء بها بعد شرائها إن طال عمرها و امتدت حاجته إليها.
ثانياً: أن المشتري هو المجتمعُ الذي لا بد أن يرى ما يعطي البائعُ له وجيرانه لقاءَ كسبه من بيعهِ البضاعةَ لهم. ربما لا يطلب الناسُ الكثيرَ في مجتمعنا ولا تفرض عليهم القوانينُ خدمةَ المجتمع ولكن عينُ المشتري ترى ما لا يرى البائع. فهي ترى ما يستثمرهُ الباعةُ في مجتمعهم والاعتناءَ بمظهرِ المكانِ ونظافته وخُلُقُ الباعةِ وما يميز هذا البائع عن ذاك.
ثالثا: التجارةُ أحدُ الأعمال الحرة التي من يعمل فيها لا ينام ولا يعطيها غيره ولكن ما تعطيه صاحبها سوف يرضيه ولا حد لما تعطيه سوى ما نامَ عنه.
لم يعد المشتري ملزمٌ أن يشتريَ من البائعِ في زاويةِ الشارعِ الذي يسكنه وأصبحت إمكانية أن يختارَ المكانَ والزمانَ أكثر مما مضى وإن لم يعجبه كل هذا يمكنه أن يشتريَ من الخارج. على التاجرِ أن يجعلَ المشتري يتيقن أنه اشترى عسلاً بسعرِ الخل وليس خلاًّ بسعر العسل. توفر المنافسة لمن يملك ثمنَ ما يريد أن يشتري خيارَ أن يكونَ زبوناً حاذقاً ولا يعطي ماله من لا يظن أنه يوفرَ له الخدمةَ الأسمى والسلعةَ الافضل.