احتل العديد من ذوي الأصول الهندية الإدارة والمناصب الرفيعة في عدد من كبرى الشركات الأمريكية، وأصبح بعضهم من الشخصيات الأعلى دخلًا على مستوى أمريكا بأسرها.
لقد اعتاد هؤلاء القيام بزيارات لمسقط رأسهم حيث عاشوا طفولتهم وشطرًا من مرحلة شبابهم في تلك القرى النائية في الهند الفقيرة في كل شيء تقريبًا.
لم يكن الحنين للوطن هو السبب الأول لتلك الزيارات -وربما ليس الثاني أو حتى الثالث أيضًا- بل عادة ما تكون لإقامة مشاريع تنموية في تلك القرى أو تقديم برامج مساعدات تعليمية وإلقاء محاضرات في الجامعات التي درسوا فيها يومًا من الأيام، عرفانًا وردًا لحق الوطن الأم.
وبالرغم من حجم الدعم السخي الذي يقدمه هؤلاء لقراهم وجامعاتهم التي درسوا فيها، إلا أنهم يتصرفون ويقدمون ذلك بتواضع جم وسط مجتمع حساس جدًا، ابتداءً من طبيعة الملابس البسيطة التي يرتدونها أثناء الزيارة مرورًا بطبيعة الأحاديث التي يتداولونها مع السكان المحليين.
في المقابل يمكننا في القطيف ملاحظة حجم جلد الذات وعدم الثقة في سلوكياتنا العامة بشكل مبالغ فيه، نري ذلك أحيانًا في المقارنات الظالمة التي يجريها بعضنا الذي ربما ذهب للخارج للدراسة أو السياحة، والأمر لا يقتصر على هؤلاء فقط، بل يبدو وكأنه أشبه بحالة تقليد أعمى وكأنها موضة اجتماعية، مع ملاحظة أننا وربما الغالبية الساحقة منا قد سافروا أو سمحت لهم ظروفهم بالسفر خارج المملكة، وهو شيء غريب نسبيًا عند المقارنة ببعض المدن الأخرى في المملكة.
أتردد كثيرًا في تعداد تلك الأمثلة التي نجلد بها أنفسنا لأتفه الأسباب، والتي بتكرارها قد تفقد بعضنا ثقته بنفسه وبمجتمعه أيضًا حتى أمام المجتمعات الأخرى التي قد تقل عنا كمجتمع في أكثر من جانب.
بحكم التجربة الشخصية أستطيع أن أقول إنني من الذين استفادوا استفادة عظيمة من سمعة مدينتي القطيف في معظم مدن المملكة التي زرتها، والفضل في هذا بعد الله هو لرجال هذه المدينة الذين سبقونا في العمل والتواصل وقدموا عمليًا أفضل صورة للآخرين عن مدينتهم وأهلها، وهم مملوءون ثقة بأنفسهم، ولديهم البصيرة التي مكنّتهم من رؤية نقاط قوتهم وتميزهم.
عندما أقول الرجال فلا أعني جنس الرجال فقط، بل كل فئات المجتمع من طلبة وطالبات ونساء، ففي إحدى زيارتي لإحدى مدن جنوب المملكة، اكتشفت من أهلها الذين التقيتهم هناك أن في مدينتهم ثلاث معلمات من القطيف (العوامية) كان لهن الفضل من خلال عملهن المميز في تعريف سكان تلك المدينة بالقطيف وإعطائهم السمعة الطيبة عنها، لقد اتسعت سمعتهن الطيبة إلى خارج أسوار المدرسة التي يعملن فيها لتعم المدينة كلها.
لقد أخذت وشاهدت أدق الانطباعات وأكثرها حيادية، ربما عن أهل منطقتنا القطيف من الأخوة العرب والأجانب المقيمين في طول المملكة وعرضها على اختلاف جنسياتهم وأعراقهم وعلى مختلف المستويات، فهم أصبحوا أكثر دراية وتفضيلًا لأهل هذه المنطقة.
ليس لدي ما أقوله للنفس المنهزمة من الداخل، كما أننا لسنا مدينة فاضلة، ولأسباب عدة لا ينبغي لنا نتقمص تلك الحالة، لكننا نحتاج أن نكف عن جلد الذات على كل شاردة، وأن نستكشف ونراكم نقاط قوتنا وتفوقنا كمجتمع، وهي لم تأت من فراغ، وأن نضيف ونودع باستمرار في رصيدنا الوطني أكثر وأكثر.