السنبلات السبع

هذا الواقع الاقتصادي الذي نعيشه، هو واقع عالمي بكل تفاصيله، وهو يحتم علينا اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتأقلم معه بدل التذمر والنواح.

لست اقتصاديًا ولا أحب الاقتصاد ولا أفهمه، وقد رافقتني هذه المادة طوال سنوات دراستي، والظاهر أنني تخرجت بعد أن طفشوا مني في الجامعة وعملوا أنفسهم ميتين حتى أتجاوز هذه المادة العلمية الكريهة وأتخرج.

ما علينا، الذي يعنينا الآن ونحن ننصب المناحات ونتحادث بالعويل مع كل مرة يبدأ فيها صدور الفواتير المستحقة والتي ابتدأناها بالاتصالات مرورًا بأسعار الوقود فالماء، ثم الضريبة، ولن تنتهي عند الكهرباء، وطبعًا لا ننسى ارتفاع الأسعار في كل شيء، مما يعني أن المواطن هو الوحيد المتأثر المباشر اقتصاديًا بشكل ملفت، فعليه نقول إن الذي يعنينا هو أن نعيش الواقع، ونتعايش معه، ونكيف مصاريفنا حسب قدراتنا المتاحة، وما نملكه من عوائد.. كيف؟ لا أدري، ولا أحد يسألني، فكما قلت أنا لست اقتصاديًا، والأمر لا يحتاج إلى كيفية، بقدر ما هو محتاج إلى تدبر وتدبير، عندها سوف نتكيف مع الكيفية المطلوبة.

أحتاج أن أسأل نفسي أولًا وأنا بلا دخل آخر غير راتبي، ما الذي كنت وما زلت أفعله في حياتي ما بين الأمس واليوم، هل غيرت من نمط معيشتي؟ هل اتخذت التدابير اللازمة نتيجة ما قامت به الدولة من إجراءات وهي المحقة فيها كونها تعيش في عالم واقعي ومتأثرة بما يتأثر به الآخرون في العالم كما قلنا ابتداءً؟ أم أنه لا يعنيني ما يجري؟

الذي أراه أنني لم أغير شيئًا أبدًا، ولم أتخذ الاحتياطات اللازمة والتي تدل على أني احترزت لما يجري، فتوقفت عن الإسراف، وراعيت التوفير بدلًا من التبذير، وقمت بدراسة مصاريفي ودخلي حتى أقارن بينهما وأرى في نهاية المطاف هل أنا فعلًا أراعي الحكمة والتعقل بدلًا من الفشخرة والمهايط الذي يتفاخر به معظمنا وما زلنا نحن نعيش في رغد من العيش وإن كان بمستويات مختلفة؟

ولا ننكر أن بيننا فقراء كُثر وأغنياء غنىً فاحشًا، ولو قست نفسي بالأغنياء لوجدتني فقيرًا، ولو قستها بالفقراء المعدمين لرأيت نفسي قارونًا، فهي الحياة، وهي ظروفها وتقلباتها، فبدلًا من التذمر والتباكي، واتهام المؤسسات والشركات بالسرقات، ونحن نرى والعالم القيادة الرشيدة تحارب الفساد والمفسدين بلا هوادة، فبدلًا من ذلك علينا أن نغير من أطباعنا التي تعودنا عليها، وهي في الأصل خاطئة، ولا تزال كذلك، رغم التغيرات المخيفة التي تجري، وللأسف نحن لا نتذكر كيف أن الدولة كانت تغدق علينا في عهود سابقة، ولا نظن أنها ستقصر في العهد الحالي الحكيم، وهي ستفعل إن استقرت الأحوال وحصلت الفرصة بلا شك، ولكن قبل ذلك، ومن الآن علينا أن نعيش الأزمة إن صح التعبير، ونتعايش معها، وأن نبدأ من اللحظة بمراجعة أنفسنا، بغض النظر عن الواقع الحالي.

نحن مسرفون جدًا، ومشرفون على الهلكة في بعضنا إذا لم نقم بتغيير نمط حياتنا من الآن ونربط حجر المجاعة والتعقل، ونقتر على أنفسنا من أجل التوفير ليوم غد، ولنتخذ من سورة يوسف مثلًا وعبرة وسلوكًا، فليست كل سنيننا حصادًا، ولا نريد أن تأتي أعوامٌ فيها يغاث الناس من شدة شظف العيش.. نحن نختلف، ولا زلنا بخير ولكن هي تقلبات الأزمان والظروف فلندع بعض الحصاد في سنبلاته تحسبًا للمجهول، حتى لا يأتي يوم فلا نرى من السنبل ما نأكله لنعيش، فلا نحن حصدنا ولا نحن اعتبرنا من يوسف (عليه السلام)، والسنبلات السبع.


error: المحتوي محمي