آل مدن: أعيش على أمل أن يأتي ما يثيرني.. ويوم تكريم والدتي حدث لا ينسى

في مزرعة تحتضنها بلدة جارود، يجلس هناك يعمل والابتسامة تزين ثغره، ترى في عينيه عشق ما يصنعه، تمسك يداه الخوص، ويسف بها أشكالًا، يطعمها ألوانًا، وحكايات التراث تتراءى في مشهد صفحاته من صمود.

يتتبع المشهد الثقافي في محافظة القطيف، فيحضر المعارض الفنية، يشبع ذائقته البصرية بجماليات المبدعين والمبدعات من أبناء بلده، يقطع مسافات ليشهد إبداعًا تناثر من أنامل قطيفية، ويسير نحو الشعر ليملأ سمعه من الأمسيات وكذلك المسرحيات ولأنه يعشق الكتاب فقد حضر بعض فعالياته في القطيف.

في حديث جمع «القطيف اليوم» بالحرفي منصور علي آل مدن حكى فيه جزءًا من حياته وشطرًا من أحلامه، أمسك بالخوص وبدأ بالسف وهو يتذكر نفسه صغيرًا أمام والدته التي علمته السف، كما علمت بقية إخوانه، وقال: “ولدت في بلدة الجارودية ودرست بها حتى تخرجت من الثانوية والتحقت بشركة أرامكو السعودية وتدربت بها لمدة 7 سنوات ولم تسعفني الظروف آنذاك لأكمل الالتحاق بالكلية، حتى حصلت على تقاعد مبكر ومن يومها عدت لعناق الحرفة التي أعشقها”.

وبعد عام من عمله في أرامكو قررت العائلة أن هذا وقت الزواج فخطبوا له ابنة العم التي أنجبت له من الأبناء ولدًا وحيدًا سماه “عبدالله”.

ولم يعد آل مدن إلى سف الخوص نتيجة حاجة أو فراغ بل كان له هدف آخر أوضحه قائلًا: “رجعت ثانية إلى سف الخوص لخوفي عليها من الانقراض وكان ذلك في مهرجان النخلة الأول الذي أقيم في نخيل الشاعر بالقديح، وواصلت حتى الآن العمل في هذه الحرفة”.

وفي سبيل الحفاظ عليها قام بالتعريف بها والتدريب عليها، ففي المهرجانات يعلم الأطفال مسميات الأدوات والمنتجات وكيفية تلوين الخوص وكيفية السف، وكذلك رحل في مختلف أرجاء المملكة كالنعيرية وينبع وكانت آخر محطاته في مهرجان خاص بمناسبة العيد أقامته إحدى الشركات في مدينة الخبر، وعن سؤاله عن رسالته قال: “أحمل هم الأسر التي تعمل بالسف فسعر كيلو اللون الواحد أصبح مائة ريال! وإذا لم أحافظ على هذه الحرفة ستكون معرضة للإندثار بلا شك”.

وعن أجمل ما قدمته له هذه الحرفة يذكر أنها عرفته بكثير من الأشخاص الطيبين، وقبل فترة كرمت إمارة المنطقة الشرقية عددًا من الحرفيات القدامى في برنامج “ما نسيناكم” وفيه كرمت والدته العزيزة على قلبه من قبل حرم سمو الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز – حفظه الله ورعاه – وقدم لها درعًا تذكارية بهذه المناسبة الغالية”، مضيفًا: “تسلمت الدرع عنها أختي الغالية وزوجتي العزيزة، كرمت الوالدة كرائدة في مجال سف الخوصيات بجميع أنواعها والتي اختارتها جمعية العطاء النسائية بالقطيف فشكرًا للجميع”.

وأكد مرة أخرى على أن تكريم الوالدة كان أروع ما حصل في حياته الحرفية، كما يذكر موقفًا طريفًا آخر عندما كان في مهرجان النعيرية وجاء أحد الزوار وقال له متعجبًا: “أنا رأيت هذه المنتجات الخوصية من قبل لكن لم أتوقع أن يد إنسان تصنعها كنت أظنها تصنع بماكينة!، وجلس أمامي يشاهد عملية السف”.

وأجاب عن سؤال «القطيف اليوم»؛ ما هو الكتاب الذي تعتز به؟ فقال: “من أهم الكتب التي أعتز بها بعد القرآن، جميع الكتب التي تعنى بالتراث المحلي”.

ويمضي في حياته، يعايش ألم الإنسان الفنان المتجسد في إيهاب حرفي، كما يعيش الأمل بأن يأتي ما يثيره، وتأسره صناديق من أطياف مشاريع لكن “تبقى حلمًا” تنتظر اليوم الذي ستفتح فيه ويراها واقعًا جميلًا له ولبقية الحرفيين، ومن جملة الأفكار إقامة معرض الاستدامة وتدوير مخلفات النخيل، ومبنى الأسر المنتجة ورعايتها وبازار خاص بهذا الشأن، وأيضًا متحف لمنتجات الخوص ترعاه الدولة.

وطالب آل مدن بإدراج هذه المهن اليدوية والشعبية في التعليم الفني ومناهج الدراسة الأكاديمية حفاظًا على هوية القطيف، وتأصيلًا لقيمة العمل الحرفي الذي كان الممول للمنازل، وتدريب الشباب عليها كصناعة السلال، وسف الخوص، وصناعة الفخار وصنع السنبوك وغيرها.


error: المحتوي محمي