
في عام 1994 زرت مدينة محايل عسير في جنوب المملكة ٨٠ كم غرب مدينة أبها، وهي مدينة صغيرة هادئة ذات طابع زراعي يقدر عدد سكانها بـ١٠٠ ألف نسمة تقريبًا، وهي دافئة شتاءً (يلجأ إليها أهالي أبها في الشتاء) وحارة رطبة في الصيف.
بلدية محايل عسير نقلت قبل أشهر سوق الخضار البسيط هناك إلى موقع آخر في طرف المدينة بالقرب من الحديقة الكبرى للمدينة، لتكون سوقًا مركزية لكل المدينة على مساحة تقارب 50 الف كم2، وتضم أسواقًا ومحلات عدة، موزعة على سوق للخضار وسوق للحوم والدواجن والأسماك أيضًا، كما تضم سوق الجملة للمواد الغذائية.
بلدية ضمد وبلدية أبو عريش قامتا مؤخرًا أيضًا بنقل سوق النفع العام لديهما من وسط البلد إلى طرفها، وسوف تقوم قريبًا أيضا كل من بلدية جدة وبلدية الباحة بنفس هذه الخطوة.
لأسواق النفع العام القدرة السحرية في ضبط الأسعار على مستوى المدينة بكاملها، كما أنها إحدى الأدوات الهامة لتشجيع وتمكين الشباب للانخراط في العمل الحر، وقد كانت أسباب نقل سوق الخضار في محايل عسير والمدن الأخرى من وسط البلد إلى طرفها وزيادة مساحة السوق وعدد المحلات، هي نفس الأسباب المنطقية والطبيعية التي سبق أن طالبنا ويطالب بها الناس في القطيف وفي كل أرجاء المملكة.
لا بد للقطيف أن تكبر وتتوسع وتتطور الحركة التجارية والأسواق فيها كأي مدينة، وأن لا عيش بنمط القرية البسيطة، إن الناس في منطقة القطيف لديهم الحق والحاجة لتكون عندهم أسواق نفع عام في كل منطقة فيها، وليس حصرها في هذه المنطقة المكتظة، لابد أن نوفر الأسباب لإقناع شريحة مهمة من الناس في القطيف بعدم الحاجة للذهاب للدمام -كمثال- فقط لشراء الخضار، ولابد أيضًا من القضاء وعدم ترك مشكلة البيع على الأرصفة التي بدأت تكبر وتتضخم وتنتج مشكلات أخرى متشعبة، وتحاربها البلدية بطرق تقليدية تنظر لآثار المشكلة وليس لسبب المشكلة نفسها.
من حيث المبدأ، لا يصح اعتبار موقع السوق الحالي – المكتظ بالسكان والمتسوقين – موقوف حكرًا على سوق للخضار فقط!! إننا بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى لخطة عمل لتفكيك المشكلات المسماة “مشكلات أوساط المدن”، وليس تعميق وجودها وتجذيرها عبر تمتين هذه المشكلات وصرف الميزانيات لبقاء نفس المعاناة ونفس المشكلة قائمة ومتجذرة أكثر ولمدد أطول!!
إنه لأمر غريب بل وغير حكيم ولا مقبول قيام بلدية القطيف باستهلاك مخصصات مالية في مشروع موقعه كان صالحًا قبل أكثر من خمسين سنة، لكنه لا ينسجم الآن مع احتياجات وراحة الأهالي، ويتعارض مع المعايير والمفاهيم الحديثة لتخطيط المدن، ولا يراعي التوسع والنمو الطبيعي للمدينة.
بالرغم من صغر مساحة مدينة محايل عسير وقلة عدد سكانها مقارنة بالقطيف، وقلة الموارد والمخصصات المالية لبلديتها، وصعوبة تضاريسها الجغرافية، فهي مدينة محصورة في وبين أسفل الجبال، إلا أنني، ولوجود ما يستحق الوقوف عنده والاطلاع عليه هناك، وكذلك لعدم تكرار الوقوع في حقل ألغام جزيرة الأسماك سيئة الصيت، أدعو المجلس البلدي بالقطيف وبلديته أيضًا لزيارة مدينة محايل عسير للاطلاع على تجربة بلديتها قبل المضي في قرار لا يعالج المشكلات التنظيمية التي تعاني منها القطيف، بل وينتج مشكلات أخرى يمكن التنبؤ بها.
إن وجود رؤية 2030 يفرض علينا تحدي الارتقاء بالأداء إلى أهداف الرؤية وطموحات الأهالي، وليس البقاء على نفس الوتيرة والمنهجية السائدة قبلها.