الجيل الذي عاش وتربى مفترشًا الحصير في البيت وسماع القصص من الجدة، وفِي المسجد للصلاة وحفظ القرآن الكريم في “المعلم” هو جيل الحب والتسامح.
جيل كان يكن احترامًا للوالدين، جيل كان يحترم الجيران، جيل كان يحترم الرجل الكبير، جيل كان يساعد بعضه البعض في أي مناسبة اجتماعية، جيل لا يحب الكسل، جيل مارس كل الأعمال الحرفية، جيل لا يسهر لآخر الليل، جيل لا يعرف الشارع بعد صلاة المغرب، جيل حافظ على صلاة الفجر في المسجد، جيل اعتمد على نفسه ولَم يعرف الاتكالية على الوالدين أو الآخرين.
جيل الحصير لا يصنف الأهل والجيران ليحبهم! بل كان يحب الجميع ويحترمهم، لعبنا معًا البنات والْبَنُون.. ولم يكن للغدر مكان بيننا! نحن جيل لعبنا بلا لُعٓبْ بل ألعابًا تتطلب مهارات البدن والتخطيط، لعبنا الطير والدحجوه والدحروجة، لعبنا التيلة والدوامة، لعبنا المخطة والكانة، لعبنا الشقص والطنقور، لعبنا الوصلي والخشيشوه، ولعبنا طاق طاق طاقية يا نخلة الماجية، وأما الكرة فكانت اللعبة التي يحبها الجميع.
نحن جيل لا نمانع أن نشتغل مع أهلنا وجيراننا في النخل والمزارع، ونعمل في البناء وغيره أيام العطلة المدرسية، جيل لا ينتظر المساعدة من الوالدين وإنما يسعى لكسب الرزق بنفسه، جيل لم نرمِ الطعام أو نسرف فيه وإن وجدنا الخبز أو أي صنف من الطعام في الطريق حملناه وقبلناه قبل أن نضعه بعيدًا عن الأرجل لكي لا تداس النعمة، جيل كان يعرف ما هو غداء جاره، جيل اقتسمنا طعامنا مع جيراننا حتى لا تتألم شهيتهم بروائح مطبخنا.
نحن جيل تعلمنا القرآن الكريم في “المعلم” وهو عبارة عن غرفة صغيرة أو حوش صغير في البيت المتواضع به حصير يجلس عليه المعلم، وهو رجل مسن تقرأ في قسمات وجهه خشوع الإيمان وتنساب من نبرات صوته تراتيل القرآن الكريم، نحن جيل علمنا آباؤنا أن نعطي السائل والمحروم ما يحتاجونه بعيدًا عن أعين الناس حتى لا نحرجهم ولا يكون رياءً.
نحن جيل تساوينا في اللباس في المدارس وسرنا على أقدامنا مسافات طويلة للوصول لها، ولا نخاف البرد والمطر ونعطل عن المدرسة، نحن جيل لا يعرف الخيانة ولا ينظر في البيوت حين دخولها ولا يتكلم عما رَآه فيها عند خروجه، نحن جيل لم نرَ المرأة تلوي بقوامها النحيل أمام الرجال في المطاعم والأماكن العامة.
فما أبسط الأمس وما أعقد الْيَوْمَ، ورحم الله ذلك الزمان الذي كان فيه الحصير سيد المفروشات في البيت، وتحت ظل العريش في النخل والمزرعة، وفِي مساجدنا للصلاة، وإذا اجتهدنا في البحث عن المعرفة ووجدنا من له علم نافع افترشنا الحصير واستمعنا له لتنوير أرواحنا.