سكان المساجد

مع نهاية الشهر الفضيل، أعادنا الله وإياكم عليه أعوامًا كثيرة، عاد أكثر الناس إلى ما كانوا عليه، فهجروا المساجد، فلم يبقى بها سوى سكانها الأصليين، وهجروا القرآن، وعاد إلى الرفوف بانتظار أن يعود الشهر مرة أخرى، وطويت صحف الأدعية وكأننا لا ندعو الله إلا في شهر رمضان، والأدعية فيها ما يخص مختلف الأوقات والحاجات والرغبات، وانتهى الشهر، وعدنا نعمل كل ما كنا نخشى عمله في نهار الشهر الكريم، خوفًا على الصيام من الانهدام وكأن نهار الشهر يختلف عن ليله، عدنا لا نحذر شيئًا مع أنه من المطلوب منا واجبًا أو استحبابًا أو نهيًا أن نتبع أوامر الله ونواهيه.

انتهى الشهر فطوينا ما يخصه وما لا يخصه صغارًا وكبارًا، نساءً ورجالًا، وكأنه لا دين إلا دين الشهر، ولا التزام سوى وقت الصيام، والمضحك المبكي يظهر من ينتقد الشباب على تركيزهم على مشاهدة كرة القدم لمناسبة بطولة العالم، وكأن العلة في الشباب، متناسين أن الرياضة أصبحت جزءًا من ثقافة المجتمعات، وهي لا تتعارض لا مع الدين ولا مع العرف، ولا تدخل في قائمة المحرمات، ولا يحق أن نلومهم وهم لا يفعلون منكرًا من الفعل والقول، فبدل أن نوجه لهم سهام اللوم، علينا أن نلوم أنفسنا، وأن نخجل منها، حيث غادر الشهر فغادرنا كل ما يتعلق به، ما عدا ما كسبناه من زيادة في الأوزان بسبب تخمة النعمة، والنهم الذي نمارسه كل ليلة، وكأن وراءنا أيامًا وشهورًا قاسية آتية ستكون كسنين يوسف “عليه السلام”.

لو تمعنا قليلًا لوجدنا هؤلاء الشباب ملتزمين بطقوسهم وتعاليمهم الدينية أكثر مما نحن عليه من الالتزام في أبسط الأمور، وهي واجباتنا على أقل تقدير، فضلًا عن هتك الأشهر بالموبقات حتى حلول شهر رمضان القادم، وتدور الدائرة من جديد، وهكذا.

اللهم ثبتنا على دينك ما أحييتنا
ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا
وآتنا في الدنيا حسنة
وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار
برحمتك يا أرحم الرحمين
وصلي اللهم على محمد وآله الطاهرين.


error: المحتوي محمي