الحلقة الثانية.. الرجل يرى وجوده في ذريته والمرأة تراه في عاطفتها

كلنا يشعر بالحاجة إلى ذرية يعتز بنجاحها وسؤددها ويستمر بها وجوده، وهو أمر جبلي غريزي وقد يفر الإنسان من تحمل المسؤولية بعدم الإنجاب فترة معينة، أو لطلب الراحة مؤقتًا لكنه حقيقة يعيش مشاعر الحاجة إلى ذلك وإن شاعت في بعض المجتمعات الغربية حالة التبني والاستئناس بوجود طفل دون أن يكون من صلبه ورحم زوجته.

الشعور بحاجة الإنسان إلى استمرار وجوده تؤصله عدة نصوص قرآنية لكن ما يهمنا في مجال الأسرة؛ ما تشير إليه الآية الكريمة: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ أي العقب المرضي والصالح وهو مطلب ينتبه إليه من يجد في استمراره رسالة وحضورًا روحيًا عاليًا، ويسكن في غالبية نفس الإنسان شعورٌ بالزينة والتباهي ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ بينما يراها آخرون في السعادة والاستقرار ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾.

شُعور الوجود هو غريزة جبلية عند الرجل وإذا ما تقبل عدم إنجاب زوجته فهو لتغلب مشاعر المحبة والمودة لها وعدم خدش مشاعرها أو جرحها وإلا فإن تلك المشاعر تسكن وجدانه طال الزمن أو قصر.

وقد ادعي أن هذا الشعور يشتد عند الرجل وبدرجة أقل المرأة، فالأنثى يحفزها العطف والحنان والحاجة إلى مصدر تغدق عليه غريزة الأمومة، بينما الذكر هو وجود واستمرار ومشاعر الانتماء الوجودي،
ونجد بعض ملامحه في كلمة أمير المؤمنين (ع) لابنه الإمام الحسن (ع): “وجدتك بعضي بل وجدتك كلي” وهو تعبير واضح على قوة الرابطة الوجودية بين الأب وأبنائه.

هذه المشاعر تقود الرجل إلى أن يسعى بكل قدراته إلى زرع حالة الطمأنينة والاستقرار الأسري بجانبيها البيولوجي بالاستقرار المادي من المأكل والملبس وما يجعلهم في مستويات الاستقرار النفسي وعدم الحاجة إلى الآخرين، ولا يوجد شعور متوتر جدًا كما عند الأب حينما لا يجد طعامًا لأسرته، والمشهور في أبلغ صورة “عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه”.

بل أجد من المناسب أن نشير إلى إحدى المسائل الفقهية المهمة وهي أن حالة إعسار الأب وعدم قدرته على النفقة على أبنائه فإن مسؤولية الإنفاق تنتقل إلى الجد إن كان موجودًا مستطيعًا بالنفقة على أبناء أبنائه حينما يعسر الابن أو يموت وكذلك على أبناء بناته حين عسر زوجها أو موته وعدم استطاعتها هي، وفي جانب أخلاقي أن يساعد الأخوة المستطيعين بالخصوص أخواتهم المحتاجين بدلًا من أن تكون حاجتهم عند صناديق الخير والصدقات.

والجانب الآخر هو الطمأنينة والاستقرار المعنوي من خلال بث روح التسامح بين الأخوة والأخوات والحفاظ على الروح المعنوية وبناء الفرد دينيًا وعقائديًا وخلقيًا وهي تمثل مجمل التوصيات الإسلامية والطبيعية ونجد في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) جملة من هذه المعاني (1) من خلال الانتماء والرابطة الوجودية والاجتماعية والشرعية فيما يعود عليك من ثواب على ما يحققه ابنك من ميزات وصفات حسنة.

(1) رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع ): وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه (عز وجل) والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه.


error: المحتوي محمي