إن مهنة “المسحر” كانت تعد من المهن الموسمية التي كانت تتخذها مجموعة من الناس منتشرين في مختلف مدن وقرى محافظة القطيف.
في السابق، كانت مهنة المسحر عشقًا امتد لسنين طوال يشق بصوته سكون الليل، وهو يتجول بين أزقة وساباطات البلدة، ينادي بأهازيج وأصوات على أنغام الطبلة، على كل بيت: “السحور يا عباد الله السحور يا أبا فلان، وَيَا فلان، إجلس تسحر”، وبمرور المسحر الكل يستيقظ؛ الأطفال، والنساء، والرجال، والشباب كذلك، جميعهم يستيقظون من أجل تناول وجبة السحور والاستعداد لصلاة الفجر.
إن للمسحر في الماضي ميزة طوال السنين ويفرح الصائمون بسماع صوته، وإن مهنته تعتبر من أجمل المهن الموسمية، والتي تعطي شهر رمضان المبارك طقوسه الجميلة، وخاصة لجيل الشباب الذي ينتظر الشهر الكريم بفارغ الصبر، ويخرج المسحر كل ليلة في حوالي الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل يجوب الفرجان مناديًا الناس للسحور.
وعلى الرغم من أن المسحر في الوقت الحالي ليس بأداة منبه للصائمين كما كان في السابق، إلا أنه من طقوس شهر رمضان المبارك التي لا يمكنها أن تنقرض على مر السنين، ولا يزال الأحفاد من الجيل الحالي يمارسون مهنة المسحر، ويسعدون الأطفال والجيران الذين يشاهدونه وهو ينادي للسحور وهم واقفون على أبواب منازلهم ينتظرون قدومه.
ووفقًا للعادات والتقاليد في البلاد فإن المسحر يتلقى أجره في نصف وفِي آخر الشهر الكريم، وذلك مقابل رد الجميل على المجهود الذي يبذله لإيقاظ الناس إلى السحور خلال شهر رمضان المبارك، حيث يقوم المسحر بزيارة البيوت في المناطق التي كان يوقظهم، والناس بدورهم بعضهم يقوم بتقديم النقود له والبعض الآخر يقدم له مكيالًا من الأرز ويشكرونه على ما قام به من جهد طيلة الشهر الفضيل.
أحن إلى الماضي أيام الطفولة والصبا في شهر رمضان المبارك، حيث كان كل واحد فينا يسأل الثاني، متى المسحر يدور على البيوت وياه كل صبيان الفريج، هذا حامل الطبلة وذاك فوق رأْسه زبيل العيش محمول، وندور معه في نصف وآخر الشهر على بيوت الفريج، ويأخد المقسوم من عند الأجاويد، وذلك مقابل أجر دورته بآخر الليل بطبلته يصيح على الناس النائمين في كل بيت: “السحور يا عباد الله السحور”.
وفي الختام، الله، ما أقسى ليلة وداعك يا شهر رمضان المبارك، لما يجيء المسحر يودع في الفريج وينادي على كل بيت: “ودعوا يا كرام شهر الصيام، ودعو يا كرام شهر الخير والبركات، الوداع الوداع يا شهر الله”، والناس تدعو له: “الله يعوده علينا وعليك”.. وعساكم من عواده.