موسم صرام الخنيزية.. أني السوده.. أني السوده

أني السوده.. أني السوده
ولي في كل فدى لوده
وأوفي كل لديون!

هكذا وصف الفلكلور الشعبي التمرة الخنيزية بلسان حالها الواقعي وهي تصف نفسها مفتخرة بما تقدمه للمجتمع المحيط بها وخصوصا بما تغدق به على الفلاح على أنها الغلة الأقتصادية القطيفيه الوفية لهذا الفلاح والتي توفر له لقمة العيش وتوفي ماعليه من ديون أنفقها في موسم العناية بالنخلة من ترويس وتنبيت وتجليس ولفاف وفكاك وتحدير وغيرها، فهي في جميع مراحل إنتاجها تغطي له بالمردود الإقتصادي حين تكون بسرة أو سلوقة أو رطبة أو عند الصرام للتصدير وأخيرا حين تصل مرحلتها الأخيرة وهي التمرة التي لها لودة أي حضور في الفدى وهو الساحة التي تنشر فيها التمور استعدادا لكنازها في القلال.

والصرام كلمة عربية الأصل وفعلها الثلاثي “صرم” وهناك “انصرم” كما ورد ذكرها في القواميس والمعاجم العربيه.

أما كلمة صرم فقد جاءت في معجم اللغة المعاصر: صرم الشئ جزه وقطعه والآية: (اذ أقسموا ليصرمنها مصبحين) اي يقطعون ثمارها، وفي المعجم الغني: صرم النخل أي جزه (قطع ثماره)، وفي الرائد: صرم:قطع وكذا الوسيط و مختار الصحاح: صرم النخل أي جده واصرم النخل وحان له أن يصرم أي يقطع ثمره، وفي معجم الفقهاء صرم الثمر قطعها، وأما لسان العرب فمن معاني صرم اي قطع العذوق عن النخل والصرام جداد النخل ويصرم النخل حين يقطع ثمره، وجاء في المحيط في اللغة: الصرم القطع البائن للحبل والعذق ويقال وقت صرم العذق وتمر صرام اي تمر العام.

أما حين نقول “انصر” فمعناها -كما جاء في معجم اللغة المعاصر- يكون ذهب ومضى وانقضى وكذلك انقطع، وانصرمت السنة -كما في معجم الغني- أي انقضت ومرت وهكذا انصرم فصل الصيف، ويبين الرائد أن انصرم الربان: أي مضى، وفي الوسيط عندما ينصرم الليل اي ذهب والشتاء انقضى.

على أن كلمة صرام المتعارف عليها في القطيف وفي بعض مناطق الخليج المنتجة للتمور كالأحساء والبحرين تشمل معنى قطع عذوق النخل وكذلك المعنى الآخر وهو بمعنى المضي والذهاب وذلك للتعبير عن نهاية موسم انتاج الرطب.

لقد كان لموسم صرام الرطب الخنيزي شأن كبير في الخليج العربي الذي كان ينتظره كلا من المنتج والمستهلك والمستورد على حد سواء و بفارغ الصبر وذلك لما له من قيمة اقتصادية للمورد وقيمة غذائية للمستورد والمستهلك، فيستبشر الجميع بقدومه ويحتفل الكثير بترديد الأهازيج الشعبية والرقصات الفلكلوريو القديمة.

وبغض النظر عن إن كانت جودة الخنيزي تقل عن بعض البسر أو التمور الأخرى إلا أن له اهميتة البارز وذلك لعدة أسباب منها قدرة تحمله بعد صرامه وبقائه طازجا لمدة تسمح بتصديره ونقله إلى مناطق خليجية أخرى مجاورة دون التأثر بعوامل الجو الرطب وكذلك لتحمله شدة الحرارة والجفاف بالإضافة الى غزارة انتاجه آنذاك في المناطق الثلاث الآنفة الذكر كما ويمكن الاحتفاظ به على مدى أكثر من عام عن طريق سلقه وتجفيفه وتصديره الى بلدان مختلفة كالهند وافريقيا وايران وأن أغلب دول الخليج تفضله بعذوقه كالكويت وقطر والامارات.

يبدأ موسم صرام الخنيزية من بداية أنتاجه حتى نهايتها من منتصف برج السرطان أي نهاية يونيو حتى برج الأسد في نهايات اغسطس حيث يمر انتاجه وخاصة في القطيف في أربع مراحل وبالنسبة للأحساء والبحرين تكون بين الثلاث والأربع وذلك لظروف المواقع حيث أن القطيف تشترك مع الاحساء في الطرق البريه لتصديره بسرا لدول الخليج بينما الاحساء ينقصها الخط البحري المباشر لتصديره كسلوق إلى لهند وإن كانت قريبة من ميناء العقير الا أن سفن العقير لاتتجه لتلك المناطق لهذا الغرض كما أن اهتمام فلاحي الاحساء بالنخلة الخنيزية ضعيف وليس لديهم هذا التوجه في تصدير السلوق بحرا فإنتاجه عندهم مقتصر على تصديره لدول الخليج المجاوره وبكميات كبيره وأما تموره فمعضمها يستهلك عند الأحسائيين كأعلاف للحيوانات حيث أن اهتمامهم يتجه للأصناف الأخرى.

ونجد أن القطيف تشترك مع البحرين في الخط البحري لتصدير الرطب الخنيزي كسلوق إلى دولة الهند ومعه اللؤلؤ، بينما ينقص البحرين آنذاك الطريق البري لتصديره إلى دول الخليج وإن كانت تصدره احيانا بالسفن ولكن تكلفته أكثر ومشقة نقله أكبر ومدته أطول.

فالقطيف تشترك مع الأحساء في تصدير البسر الخنيزي بعذوقه إلى كل من الكويت وقطر والإمارات، بينما تشترك مع البحرين في تصديره في موسمي تصدير السلوق وتصدير قلال التمر.

رغم اعتبار الكثير أن الرطب الخنيزي ليس من النوع الفاخر، إلا أنه غلة اقتصادية يعتمد عليها في دخل الكثير من أهالي هذه المناطق ويرفع من مستواها الإقتصادي وذلك لتصديره لبلدان متعددة وبحالات مختلفة كالبسر أو السلوق او التمور. إن مايجعل الرطب الخنيزي غلة اقتصادية هو:

1. انتشار نخلة الخنيزي بكثرة على أراضي هذه المناطق وسهولة تكاثرها.

2. تقبل أرض المنطقة لنموه مع غزارة انتاجه وكثرة عذوقه في النخلة الواحدة مع الحجم المناسب للبسرة وقوتها.

3. مقاومة البسر الخنيزي بعد قطعه من النخلة لمدة طويله محتفظا بنضارته وتحمله درجة الحرارة والرطوبة لذا فهو يتحمل النقل والسفر إذ أنه بالإمكان أن يبقى لمدة أكثر من إسبوع مع تعرضه للشمس والرطوبه وذلك حين نقله لبعض دول الخليج (كما شاهدناه) .

4. إمكانية أكله في جميع مراحله المختلفة كبسر وكرطب وتمر وسلوق.

5. بسره هو أجود أنواع البسر التي يمكن تحويله الى السلوق على الاطلاق.

6. غزارة كمية الدبس التي يفرزها مع جودتها.

7. طول مدة موسمه فقد تمتد الى سبتمر.

8. ونظرا لوفرة عرضه الفائض عن الحاجة في الأسواق المحلية، فإن كثرة هذا العرض تقلل من الطلب عليه محليا وبالتالي تنخفض أسعاره فيتجه عندها الفلاحون إلى تصديره لدول الخليج والهند وإيران وأيضا إلى افريقيا أحيانا على هيئات مختلفة؛ إما على هيئة بسر أو سلوق أو قلال تمور.

إن تنوع تسويق الرطب الخنيزي على المستويين الداخلي والخارجي خلق ظروفا موسميه ممتدة على مدى موسم تواجد البسر الخنيزي ورطبه الذي يبدأ في نهاية برج السرطان إلى دخول برج الأسد بين يوليو واغسطس والتي يعقبها مايعرف بوعكة الكناديد، ففي هذه الفترة يتأهب كل من الفلاح وتاجر الرطب الخنيزي بكل استعداداته البدنية والمادية والمعنوية لإستغلال هذا الموسم في البيع وإلا فقد انطبقت عليه المقولة الشهيرة: “طاح الجاعد وأنا القاعد” فيفوته الموسم دون الإتجار فيه.

لذا فهو كما سبق القول يتم تسويقها بالطرق الأربع -الآنفة الذكر- وسأتناولها بالتفصيل لغرض التوضيح لمن لم يشهد تلك الأيام أو من لم يسمع عنها، وهذه الطرق تمر بمراحل تتمثل في:

المرحلة الأولى: الخراف: (بفتح أوله وثانيه) والذي يتم في بداية الموسم ويعرف بالبكرية والبشارة وهو قطف الرطب (المنصف) ومعه بعض البسر من العذق واحدة تلو الأخرى وهذا في أول أوانه دون مس العذق أو قطعه وهذا الجني من الرطب يخصص للإستهلاك المحلي وبيعه بكميات مناسبة تغطي الأسواق المحلية حيث يباع البسر والرطب المنصف منه في السلال التقليدية الجميلة الملونة وكذلك المكاييل او الصناديق الخشبية الصغيرة (الشرايح).

وهذه الطريقة يستمر اتباعها من بداية موسم الخنيزية (وغيرها من الرطب)حتى مرحلته الأخيره حين يبدأ يتمر.

ولاتزال هذه المرحلة الإستهلاكية المحلية متبعة حتى أيامنا هذه.

المرحلة الثانية:صرام العذوق للتصدير: سرعان ما يبلغ الخنيزي ذروته في النضوج ويكون في أوج عطاءه وتفيض كمياته عن حاجة الأسوق المحلية عندها يبدأ الفلاحون بصرام العذوق -أي قطعها من النخلة- وبكميات تجارية كبيرة جدا ومن ثم يتم بيعها على تجار الصرام الذين يقومون بدورهم لتصديرها الى دول الخليج كالكويت وقطر والإمارات.

في هذا الموسم يحتاج أصحاب النخيل أو القائمون عليها لعمال مهرة كثيرين يجيدون ركوب النخلة بآلة الكر وبسرعة فائقة من أجل كسب الوقت ولذيهم القدرة على قطع و تنزيل أكبر كم من العذوق حيث يتم تنزيله بحبل متين يعرف بالبيطه أو الحومال إذ تربط في إحدى نهايتيه أحد طرفي الشاعوبه وهي التقاء فرعي شجره سميكين على شكل V يصل طول كل ضلع منهما إلى 70سم تقريبا لتحمل فوقه أكبر مجموعة من العذوق من نخلة واحدة لإنزالها إلى الأرض بعد قطعها وهي في حالة سليمة، وهناك يستقبلها صاحب الحمار الذي يضع فوق حماره زنبيلين كبيرين جدا لكل واحد مقبضان من الحبال يعرفان “بالمرحلة” وكل مرحلة تكون على جانب من خصري الحمار إذ يقوم بدوره لنقلهما إلى الشاحنة التي تقف عند مدخل بستان النخل مباشرة حيث يستقبله فوق تلك الشاحنة عمال مهرة يعرفون بالصفافه (مفرد صفاف) وذلك لصف تلك العذوق في صندوق الشاحنة بطريقة مرتبة ويعرف كل صف بالرصه وأحيان بالعرق.

بعدها تغادر الشاحنة متجهة من القطيف أو الاحساء الى إحدى دول الخليج وقدكانت الرحلة تستغرق آنذاك من 18 ساعة إلى يوم ونصف وذلك لوعورة الطريق، وتباع العذوق هناك بالوزن مستخدمة وحدة وزن المن القطيفي (16 كيلو) عند كل من البياعين القطيفيين والاحسائيين (راجع مقال: المن القطيفي الأشهر خليجيا-للكاتب نفسه).

هذه المرحلة تبدأ في نهاية يوليو موزعة بين برجي السرطان في نهايته وبين برج الأسد وتستمر حتى اغسطس قبيل دخول (وعكة الكناديد/الجناديد) حيث يستعد الفلاحون لكناز التمر في القلال (وهي المرحلة الرابعة).

لقد استمر هذا الإغداق بتصديره إلى دول الخليج حتى نهاية السبعينات أو بداية الثمانينات من القرن العشرين الماضي وكان من أشهر تجاره منصور الخنيزي وعلي وابراهيم الغريافي ومحمد صالح آل ابراهيم وآل خميس من الجش وآل شاهين من القديح وغيرهم.

ولإستقبال هذا النوع من البضاعة في دول الخليج كانت هناك مراسيم فلكلورية استبشارية جميلة جدا وذلك لما للرطب من قيمة عند أهل الخليج فكانت تسمع الأهازيج والفلكلورات عند قدوم هذه الشاحنات ويتغنى بها بكل بهجة لقدومها، بل وكانت حكومات دول الخليج تشارك في هذه البهجة و الإهتمام والتشجيع إذ كان يتقدم الزبائن في بداية الموسم ممثلون للشراء يختارون الأصناف الفاخرة لرجال الدولة.

وكانت تخصص لها ساحات تستقبل فيها تلك الشاحنات التي تحمل عذوق البسر الخنيزي وبعضها أسواق على شكل “كبرات/جبرات” بالقرب من البحر وأسواق الخضار، وفيها تصطف تلك الشاحنات -كما في الكويت- دون تفريغ حمولاتها وبعضها أسواق في ساحات مخصصة تسمى سوق القطافة والحساوية كما في قطر.

ولعل البحرين أقل نصيبا هنا في تصدير البسر والرطب الخنيزي إلى دول الخليج بهذه الطريقة لكونها جزيرة، ولقد ضعف هذا التصدير من البحرين حتى توقف تماما إذ كان في بداية القرن العشرين وما قبله يتحتم على فلاحي وتجار البحرين نقل شحنات الرطب بواسطة السفن ولكن مع وجود الشاحنات عبر الطرق البريه من القطيف والأحساء قد جعل التصدير أسرع من طريق البحر وأسهل ولعله أقل تكلفة وأندر مجازفة ما جعل إنتاج القطيف والأحساء يغطي على تصدير البحرين المقتصر نقله فقط عن طريق البحر بالسفن، بالإضافة إلى غزارة إنتاج كل من الأحساء والقطيف الذي يفي بالغرض.

لقد أستمر هذا العطاء في التصدير بهذه الطريقة حتى بداية الثمانينات من القرن العشرين الماضي. وكان قد بلغ أوجه في السبعينات.

المرحلة الثالثة: السلوق أو السلاق: فعندما يبلغ غزارة إنتاج البسر الخنيزي أوجه فإنه يفيض عن الحاجة فيتجه الفلاحون إلى سلقه في الماء بكميات كبيرة في قدور ضخمة تثبت على تنور بني من الأحجار البحرية والطين المخلوط بالرماد (الطفو) وفي ساحات واسعة تسع لصفوف كبيرة من القدور المركبة على تلك التنانير، كما وتسع تلك الساحات لفرش السميم والحصران استعداد لنشر ذلك السلوق فوقها بعد سلقه وإخراجه من القدور.

بعد قطع عذوق (عراجين) البسر الخنيزي ينزل إلى الأرض من فوق النخلة بنفس الطريقة الآنفة الذكر (بالشاعوبة والحومال) ثم ينقل إلى مجموعة من العمال تقوم بخرط البسر من عذوقه بآلة صنعت من جريد النخيل تعرف بمكينة السلوق وهي جدينة صنعت من جريد النخل تثبت في الأرض بارتفاع 60 سم تقريبا وبنفس العرض او يزيد قليلا فتكون كأسنان المشط حيث يدخل العامل شماريخ العذق بين الجريد ويسحبها بشدة فينخرط الرطب على السميم او الحصير وتجمع في زنابيل كبيرة لتنقل وتفرغ بعدها في تلك القدور التي يغلي الماء في بطونها وبعد أكثر من ساعة من سلقه يخرج هذا البسر الخنيزي من القدور وقد أصبح سلوقا وله مذاق مختلف ولون متغير عن الرطب وأكثر ليونة وبطعم أكثر حلاوة ويمكن أكله طازجا، إلا أن هذه الكميات الكبيرة لاتستهلك في وقتها ولايمكن استهلاكها محليا فتنشر فوق السميم والحصران لعدة أيام حتى تجففها أشعةالشمس وتقسيها حرارتها ومن ثم تعبأ في أكياس الخيش بوزن أربعة أمنان قطيفي (64 كيلو) وتخاط فوهاتها فيخزن منها القليل للإستهلاك الشتوي وأما غالبيته فيصدره التجار عبر جمرك القطيف بكميات تجارية إلى الهند مع اللؤلؤ حيث كان هذا السلوق يستخدم في الهند كنثار للعريسين ويستهلك في المناسبات ضمن “المكسرات”، كما وقد كان يصدر لإيران وأفريقيا أحيانا ولبعض دول الخليج وبعضه يباع في الأسواق المحلية كما ويستهلك كزاد للمسافرين ومعه الربيان المجفف.

لقد استمر تصدير السلوق إلى الهند حتى منتصف الستينات من القرن الماضي عندما بدأ يقل الطلب عليه بسبب الأزمات الأقتصادية في الهند آنئذ، وفي بداية عهد رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي (1966) منعت استيراد جميع البضائع الكمالية بما فيها السلوق، فاقتصر بعد ذلك سلقه للإستهلاك المحلي واستهلاكه أثناء السفر وتصدير بعضه لدول الخليج إذ لم يعد السلوق بعدها سلعة اقتصادية.

الجدير بالذكر أن البحرين والقطيف تمثلان قطب تصدير السلوق للهند ومعه اللؤلؤ.

فهما واجهتان بحريتان ومنتجتان للسلوق.

لقد كان السلوق أيضا أكلة شعبية تسلق في البيوت للإستهلاك العائلي كما وتجفف بعض العوائل بعض من كميات السلوق لإستهلاكه على مدى العام وخصوصا في فصل الشتاء وتقدمه للضيوف وتتهاداه العوائل فيما بينها، ولايزال البعض يقوم بسلقه في أيامنا هذه ولكن لا يجفف، غير أنه في بعض قرى القطيف كقرية التوبي والبعض من أهالي القديح لايزالوا محافظين على هذا الموروث الشعبي في سلقه وتجفيفه لإستهلاكه فيما بينهم، وجدير بالذكر أن الكثير من البيوت في القطيف يفضلون سلق البسر الهلالي وحتى هذه الأيام فهو أكبر وأيضا له مذاق مختلف غير أن كميات انتاجه في الماضي ليست كميات تجارية إذ أن النخلة الهلالية ليس لها انتشار واسع كما هي الخنيزيه كما أنه لايصلح للتجفيف كالخنيزي.

وأما في الأحساء فلا يزال هناك حتى أيامنا هذه أصناف مفضلة غير الخنيزية تسلق وبعضها يجفف ويباع محليا ولكن بكميات قليله.

وكان السلوق المجفف يطحن أو يدق في الهاون بعد تجفيفه لاستخراج مادة سكرية منه تضاف لبعض الأطعمة والمشروبات.

المرحلة الرابعة: مرحلة كناز التمور: وهي المرحلة الأخيره؛ ففي نهاية موسمي الصرامين: صرام البسر المخصص للسلوق المعد للتصدير إلى الهند وغيرها وصرام البسر المخصص لبيعه وهو في عذوقه في دول الخليج فإن الرطب في نهاية موسمه يأخذ في التحول إلى التمر “يتمر” عندها يبدأ موسم كناز التمر حيث يتحول جميع ماتبقى من الرطب الخنيزي في عذوق النخل إلى تمور في نهاية اغسطس، عندها يقطع ماتبقى في النخلة من عذوق كما ويجمع كل ماتساقط حول النخلة من تمور وتعرف هذه العملية بالسقاط (كإسم فعل) كما وتسمى هذه التمور المتساقطة حول النخلة أيضا بالسقاط.

تجلب جميعها الى ساحات مفتوحة تصلها الشمس بشكل مباشر حيث تفرش فيها السميم أو الحصر وتعرف كل ساحة من هذه الساحات بالفدى وفيها تخرط التمور من العذوق بهزها (نفضها) أو بضربها ببعضها أو على الأرض فتتساقط لأنها ناضجة ثم تنظف من الشوائب وتنقى من الحشف ويستبعد التالف منها، فتعرض بعدها لأشعة الشمس لعدة أيام، وبعد فرشها فوق السميم يتم تقليبها ليلا باستمرار ليتم التعريض كاملا، بعدها تكبس وبضغط عال في داخل القلال وهي حاويات مسفوفة من خوص النخيل تشبه الزنابيل ولكنها ذات طول كبير يصل إلى 80سم تقريبا ليتسنى إغلاقها بإحكام وتعرف هذه الحاويات قبل نعبئتها بالظروف وبعد التعبئة تعرف بالقلال، تعبأ بمواصفات متعارف عليها إذ يصل وزن القلة الى المن ونصف المن القطيفي (24 كيلو)، تنقل بعدها إلى مايعرف بالكناديد/ الجناديد (مفرد كندود/جندود) وهي عبارة عن غرف محكمة ليس لها نوافذ تعد كمخازن تمور وهي أيضا مصنع للدبس في نفس الوقت وهي غرف لها اخاديد طوليه بنيت من الجص أو الإسمنت فوق أرضيتها وتلتقي هذه الأخاديد الطوليه بإخدود عرضي له مصب يلتقي بحفرة مستديرة أو مربعة مسحت بالجص أو الإسمنت و تعرف هذه الحفرة بالجابيه، وفي هذه الغرفة ترص القلال و مع ارتفاع درجة الحرارة وشدة الرطوبة يسيل الدبس من بين مسامات القلة الخوصية فيلتقي في تلك الأخاديد ليصب في الجابية ليتجمع هناك.

ومن المعروف أيضا أن هناك نوع بسيط من الكناديد يعرف الواحد منها “بالمسحه” حيث تحدد مساحة صغيرة من الأرض في بستان النخل وتمسح بالجص أو الإسمنت وتنتهي بالجابية الآنفة الذكر وقد تحاط بجريد النخل أو سعفه وقد تهمل دون ذلك.

إن هذه الكناديد عادة تنشأ في بساتين النخيل وتبنى أيضا كملاحق في بيوت الأثرياء وخصوصا ملاك البساتين منهم لإستقبال مايقدمه الفلاحون المتأكرون (المستأجرون) لتلك النخيل وذلك لملاك هذه البساتين من قلال تمر بالإضافة إلى منتجات أخرى تقدم كاللومي والرطب والدهن والحليب وغيرها مع دفع مبلغ من المال لقاء أستئجارهم لهذه البساتين وتعرف هذه الإجرة (بالصبره) أما مايأتي به الفلاح إلى بيت المالك من رطب أو ليمون خلال أيام الموسم فيعرف بالراتب.

ينتفع الملاك بهذه القلال كمؤنة للشتاء ولإستخراج الدبس منها وربما يباع الفائض منها أو يوزع على الأهل والاصدقاء، كما وينشأ الفلاحون في بيوتهم الكناديد أيضا لغرض التخزين و لإستهلاك بعضه أيضا ولإستخراج الدبس منه وبيع الصنف الجيد منه وأما الرديئ فيقدم كأعلاف لحيواناتهم من أبقار وأغنام وحمير.

وهناك الكثير من الكناديد التي تبنى في الأسواق (كما هو في سوق الجبلة في القطيف) وحول القيصرية في الأحساء وذلك من أجل الإتجار فيه.

يعتبر إستخراج الدبس مصدر دخل إقتصادي آخر إذ يقبل عليه الناس بشكل كبير وخصوصا في شهر رمضان، فالتمر الخنيزي غني بالدبس إذ يعطي كميات اقتصادية تغطي الإستهلاك المحلي وتكفي حتى للتصدير، ودبس الخنيزي معروف عنه بارتفاع درجة حلاوته لدرجة ان البعض لايفضل استعماله لهذا السبب.

هناك الكثير من الفائض عن حاجة البلد من التمور لذا فإن الفائض منه يصدر إلى الخارج في قلال التمر عن طريق البر والبحر فيصدر للكويت وغيرها من دول الخليج وأيضا يصدر إلى الهند، كما ويستهلكه البحارة عند صيدهم الأسماك في وجباتهم وكذلك الغواصون أثناء رحلاتهم الطويلة لصيد اللؤلؤ التي تستغرق أيام عديدة تصل للشهور وهم في عرض البحر دون العودة لليابسة فيكون غذاءهم مايصيدونه من الأسماك مع هذه التمور المخزنة في هذه القلال.

ولسكان البادية وهم البدو الرعاة نصيب في هذه التمور، إذ ينتقلوا من اطراف الصحراء بقوافل جمالهم وهي محملة بما ينتجونه من الإقط والدهن ليبيعونه في الأسواق وعند رجوعهم يحملون في المقابل قلال التمر من أجل استهلاكه في البادية على مدى العام وأما ما يتبقى منه من النواة او مايفسد منه أو النوع الردئ منه فهو من نصيب حيواناتهم، كما ويصنع (المريس) من التمور وهو عجن التمور في الماء فتشربه الحيوانات.

الفراك: من المفترض أن تكون مرحلة خامسة ولكن لكونها طريقة أو مرحلة مغمورة وليست تجارية حيث لايعرفها الإ القلة وخصوصا من الفلاحين او المهتمين بأكلها وهي ليست واسعة الانتشار رغم أنها تظهر في الأسواق أحيانا.

وهي طريقة يخلط فيها البسر الخنيزي الخشن بالرماد ويوضع في زنبيل كبير ثم تفرك وتدعك بالقدم بعد غسل القدم و تنظيفها إلى أن يتغير لون البسر ليميل إلى اللون البني ويراعى أن تكون هذه العملية قبيل ساعة الغروب وذلك لكي يعرض الفراك هذا لأشعة شمس الأصيل الذهبية بعد غسله جيدا وإلا لما نجحت هذه العملية.

يمتاز رطب الفراك بطعم رائع يختلف عن البسر والرطب والسلوق والتمر وقد نساه المجتمع لقلة صناعته وانقراضها في أيامنا هذه.

في أيامنا هذه حدث تغيير عاصف غير من مجرى كل هذا الإعتماد الإقتصادي على تلك النخلة إذ قلت الرقعة الزراعية وتغير توجه الناس عن الزراعة إلى أعمال أخرى كما وقد نجحت بعض المناطق الخليجية في توجهها للزراعة بإستصلاح أراض زراعية شاسعة من أطراف الصحراء كما هو الحال في الإمارات وبات أنتاجها يغطي الإستهلاك المحلي.

ومن ناحية أخرى قد دخلت التقنيات الحديثة من مصانع ومكابس لتعبئة التمور في عبوات مختلفة الأحجام و بشكل أكثر انتظاما ونظافة وقد روعي في تعبئتها تصنيفات عديدة منها الجودة والكمية المطلوبة وتحشياتها ببعض أنواع اللوز بالإضافة إلى استخراجات بعض المشتقات الأخرى من التمور كالمعجونات التي تدخل في صناعات بعض الأطعمة كالكعك والبسكويتات وغيرها.

لم تعد تلك الطرق التجارية التقليدية القديمة مجدية أو متماشية مع ظروف أيامنا هذه، ولكن ضرورة أنتاج التمور وبشتى أصنافه أمر في غاية الأهمية وذلك لإستمرارية الإقبال الشديد عليه كمادة غذائية أساسية لايمكن الاستغناء عنها أبدا مهما مر الزمن وتقدمت صناعات الأطعمة و توفر الكثير منها في الأسواق فليس بالإمكان توفير البديل لما تنتجه النخلة مطلقا.


error: المحتوي محمي