لا تؤذ المنعم عليك: “وأعوذ بك مما يؤذيك”
البعض لا يولي لتقادم الأيام ومرورها وانقضاء عمره شيئًا فشيئًا أية أهمية، فتمر عليه المناسبات الزمانية دون أن تنشط نفسه لالتقاط الفرص السانحة، فتعاهد ما يصدر منه من سلوكيات إيجابية أو سلبية هو أولى خطوات إصلاح النفس وتهذيبها، فمن يعيش حالة الغفلة ولا يحسب حسابه ليوم سيقف فيه بين يدي الله (عز وجل) فاتحًا صحيفة أعماله، فلماذا لا يحاسب نفسه في الدنيا والتي فيها يستطيع أن يغير من حاله ويعوّض ما فاته من تقصير ومساوئ ارتكبها؟!
فقد يحيا المرء فترة من عمره حالة من الغفلة والذهول عن الحق وقد أصابته سكرة المعاصي وارتكاب الموبقات، فهل يعني ذلك أنه لا يمكن له أن يخرج من هذا الحال السيئ ويرجع إلى الله تعالى؟
طريق الإنابة والعودة إلى أحضان الرحمة والمغفرة الإلهية مفتوح في كل وقت، وما على المرء إلا أن يتخذ قرارًا بالرجوع عن غيه، وهذا ما لا يمكن حصوله إلا من صاحب إرادة قوية وهمة عالية، ويسعفه على ذلك بشائر التوبة بالتجاوز عنه بل ويظفر بمحبة الله له، وعلى المرء أن يتعلم درسًا في وقفة النفس أمام توالي الخسائر إن استمر في طريق الموبقات، فما فات قد ولى ولا يمكن تعويضه أو تغييره إلا من خلال التوبة والتحسر على سوء حاله فيه، ولكنه يشمر عن ساعديه بقوة الإيمان للتعويض فيما بقي من عمره، فإن من خطوات الشيطان الرجيم أن يعمل على تأييس المرء من التوبة، فيعظم في نفسه طريق العودة ويصعب عليه التراجع إلى الحق والصواب، إلى أن يصل به إلى قرار التمادي والإيغال أكثر فأكثر في وحل المعاصي، ولا يغيظ إبليس أعظم من قرار المرء بترك ما كان عليه مقيمًا من سوء الحال والمنقلب، وما بقي من وقت – مهما كان ضيقًا – فإنه يكفي لاتخاذ قرار الرجوع إلى الله تعالى.
فهناك من أنقذته هزة الضمير وتأنيبه فاستيقظ من سكرة الشهوات التي انغمس فيها، فلم يعدم فطنة بصيرته طريق الصواب والهداية مرة أخرى فانتشل نفسه قبل الهلاك، ولسان حاله يقول: “إن تلك الأوقات الخوالي الخائبة قد انتهت، وها قد عاد وأناب إلى طريق الصلاح والرشد والاستقامة”.
وهناك حقيقة لابد من الالتفات إليها وهي أن طبيعة النفس البشرية الضعف أمام الشهوات ووسوسة الشيطان الرجيم، ولذا كان اللطف الإلهي موازيًا لهذه الحقيقة، ففتح الله بابًا يلج فيه العبد في كل مرة يستشعر فيها عظم وفداحة ما ارتكبه من معصية.
اقتراف الموبقات ومخالفة أمر الله تعالى تصيب المؤمن بالحسرة والندم على فعله، ألم نفسي يصيبه وهو يتصور مخالفة من أسبغ عليه نعمًا لا تعد ولا تحصى، وخوف يتملكه من عقاب الجبار للعصاة من عباده فتتحرك نفسه نحو الندم والعزم على ترك هذه الخطيئة مستقبلًا، إنه يمارس حركة تصحيحية في سلوكه.
اقتراف السيئة له آثار على نفسية الفرد، فكل سلوك يصدر منه – سلبًا أو إيجابًا – لابد أن تراه ماثلًا في تصرّفاته والإحساس بالإساءة لمن أنعم عليه يؤرّقه ويقض مضجعه ويجعله حبيس الأحزان، فالمعصية ليست بالحدث العابر أو صورة هامشية لا انطباع لها على النفس، بل المعصية تتولّد نتيجة تفكير معيّن قد جعله ينجرّ خلف الشهوة دون أن ينظر إلى عواقب فعله، وينطبع ذلك التجرّي والمخالفة على شكل صورة منقوشة لا تفارقه، فإذا لم يمسحها من مخيّلته بتجنّب حدوثها مجدّدًا فإن ذلك سيقوده إلى الاستئناس بفعل الحرام، كما أن مناعته أمام ترائي المعصية أمام عينيه سيدعوه إلى تكرارها دون وجود مانع قوي يردعه.