على باب القدر جميعنا رقود تقلبنا الآمال يمنة وتقلبنا الرغبات يسرة، وكفوفنا مبسوطة للرجاء، عجبًا ننام ونواعد الصبح لقاءً ولا ندري أليس الصبح قريبًا، تَوَالَفْنَا مع الكون وسَلَّمْنَا أيدينا للشمس فقطعًا سنعود معها حين تشرق غدًا، كيف لا ونحن أبناء الكون فهل ينسانا من قسمة العيش.
جميلٌ هو الأبد متباعد عن أيدينا مترامٍ في هذه الدنيا الوسيعة، بعيد المدى كبعد المشرقين، والأجمل أننا نحارب حتى نخبئه عن النهاية، فالنهاية غريمة الأبد، وكم للنهاية أحاديثٌ وشجن، قامر الإنسان بكل ثمينهُ حتى يدرك معرفتها، حاجج الأنبياء في رسالاتهم هل لرسالاتكم نهاية! اعبد ربَّك حبًا وستبلغ النهاية جنة عن موعدةً وعدك إياها، عرف الجنة ولم تنته أحاديثه حول النهاية، جنة المنتهى ما نهايتها، ما بعدها وما وراءها، قيل له كف عن هذا! أليست شجرة الخلد من أطاحت بأبيك من الجنة، لا تبحث أكثر فقد تكون شجرة النهاية ترمي بك في النار فتردى، في العام المقبل من ليلة القدر ستعرف حقيقة عمرك الذي انصرم في سنة، وستكون قد صافحت النهاية التي تجهلها اليوم، وتخبئها في صوتك المرتجف حين دعوت الله بالخاتمة الحسنة.
كل ليالي القدر كانت مقياس عمرك الحق، كم لبثت فيها عمرًا وكم من نهايات قد عرفتها على مكث، ولا تقفُ عيناك على النهايات البعيدة جدًا، يكفيك أن تحصي في هذه الليلة ما نسيته وسجله لك الكاتبون حين بدأت أولى الليالي من بعد القدر المكتوب، طلبتَ من الله فيها كل النهايات التي كانت تثيرك أحيانًا وتخيفك كثيرًا، ورجوت الله بملء رجائك أن تكون سعيدة، فضولك القاتل نحو الخلد يجري في عروقك إرثًا فلا تثريب عليك، اهدأ في هذا اليوم وشاهد ثلاثمائة وستين يومًا تقترب من النهاية حتى الليلة القادمة من القدر، سترضي بعض غرورك وتخلِّد في سجلك كل النهايات لكل ما قد تجترحه نفسك وخواطرك وكل ما تملك عليه قوة للأبد، ثم يمحو الله ما يشاء ويثبت.
عُد وارقد على باب القدر، اسند رأسك برفق وقيد بصحيفتك البيضاء الجديدة كل فعلٍ أبيض ولا تذيل الصحيفة حتى العام المقبل، لا تشغل نفسك بآخر الطريق، عش كل يوم وكأنه آخر يوم حتى تدرك القدر القادم.