احفظني من السقوط يا رب: “يا مُجيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرّينَ”:
المضطر هو المحتاج والمبتلى بما يضنيه ويؤلمه، والاضطرار في مفهومه لا يقتصر على الجانب المادي، فنتصور ذاك الداعي يسأل الله تعالى رفع فقره أو مرضه أو ما يسوؤه من هموم الدنيا فقط، بل هو شامل لكل حالات وحاجات الإنسان المادية والمعنوية، فأي اضطرار أعظم من قسوة القلب وجفاف العين من دموع الخشية من الله تعالى والخوف من عقابه، وأي اضطرار أصعب من شعور العبد بالبعد عن الله تعالى وفقدان الإحساس بمعيته ومراقبته، وأي اضطرار أشد إيلامًا من استقباح الحالة المزرية التي وصل إليها وقد التصق بالشهوات والتولع بها، فالجفاف الروحي وضعف المناعة تجاه الذنوب والمغريات هي أهم ما يقلق المؤمن ويحاول أن يعالجها، وها هو يطلب من ربه (عز وجل) أن يعينه في هذا السير المعنوي للتخلص من الخطايا والعيوب.
الدعاء مفهوم لصياغة شخصية الإنسان الإيمانية والثقافية والعقائدية، فتخلق عنده شعورًا بالمسؤولية وهمة في ساحة العمل وتحمل المتاعب، كما أن عقله تتفتح له آفاق المعارف التي يستوعبها فهمًا وتطبيقًا فلا تبقى حبيسة التنظير أو التعاجز والتكاسل، بل يعمل على تجسيدها في واقعه.
يقف المرء في تلك الأدعية على حقيقة عظمة الباري، متأملًا في آياته المبثوثة في الكون وفي نفسه، مما يحرك جوارحه نحو مقابلة تلك النعم بالشكر وأداء حقها، فهذا اليقين الذي يورثه ثقة وطمأنينة بمجريات الأمور وأحواله وفق التدبير الإلهي، بلا شك يجعله يسير ما بين مطبات الحياة بكل عزم وقوة.
الدعاء وإن كان توجهًا للخالق وطلبًا لقضاء الحوائج منه فهو الصمد (عز وجل)، ولكن هذا التعلق لابد أن يجري في سياق الأخذ بالأسباب والمقدمات، وذلك لإنجاح المأمول والظفر به بعد توفيق الله تعالى.
والتعبير بالاستهزاء بالنفس عن حرف الروح الإيمانية المرتبطة بميدان العمل الجاد والمثابرة والكفاح في ميادين الحياة، إلى مجرد تكاسل وتخاذل وترديد عبارات الدعاء فقط، فيه دلالة على المسار الخاطئ كمن يطلب الإرواء من شرب ماء البحر المالح.
حقيقة الاضطرار هو توجه الفكر والوجدان بمنحى الافتقار لعطايا الخالق وهباته، وبعين اليقظة ومحاسبة النفس تتولد عنده الهمة العالية نحو التمسك بمفاتيح الإيمان، فالأجواء المتقلبة على حين غرة ودون سابق إنذار تتغير فجأة، إذ سرعان ما تطبق السماء بالسحاب وينهمر المطر الغزير، أو تهب العواصف الترابية أو غيرها، كذلك هناك من العوامل والآفات التي يمكنها أن تزيل المرء عن مقره فتزل قدمه ويسقط في وحل الأفكار التضليلية، أو يحيط به من أصدقاء السوء ما يصرف همته عن محراب العبادة إلى مستنقع المنكرات.
فالغفلة نتيجتها المحتمة هي وضع رجله على سكة الانحراف وتيه النفس، فعلى المستوى السلوكي لا يبقي شجرة التقوى والاستقامة مورقة يانعة في القلب إلا اليقظة والحذر من عواقب الأمور، فمن حمل بين جنبات نفسه هم آخرته ويوم حسابه، تجلبب بالحياء من لقائه والخشية من سخطه وعقابه، فمحاسبة النفس بنحو دائم يعيد للمرء رشده بالرجوع إلى الله تعالى والتوبة من الخطايا، فمن أحكم عقله في خطاه لم تسقطه الشهوات والأهواء في شراكها فتخرجه عن صلاحه.
كما أن محطات التسامي الروحي ورقي درجات التكامل تستند على همته في إتيان الأعمال الصالحة وتجسيد غاياتها في أفعاله وأقواله، فيزهد عن ضياع الوقت والجهد فيما لا فائدة معنوية منه.