من وحي دعاء اليوم العشرين من شهر رمضان

فكرٌ وسلوكٌ قرآني.. “وَوَفِّقْني فيهِ لِتِلاوَةِ الْقُرْآنِ…”:

لن يستشعر تالي القرآن بعظمة مجالسة القرآن وأهميتها في طريق فلاحه ونجاحه، ما لم يضع في عين اعتباره وعنايته ما تحويه الآيات القرآنية من مفاتيح السعادة والطمأنينة، وما عليه سوى أن يصغي لها ويتدبرها ويملك إرادة قوية على تطبيقها والمداومة على السير تحت ظلالها.

الآيات القرآنية الكريمة تحوي خزائن الحكمة والمعقولات والمعارف الإنسانية والقيم الأخلاقية، فهي ترسم معالم السمو الروحي والرقي الفكري لمن تأمل فيها، وتدبر في معانيها ومراميها وما تهدف إليه من غايات سامية، وهذه الرسائل النورانية تحتاج إلى قلب واعٍ يدرك مرامي هذه الومضات ويحولها إلى سلوكيات ومواقف تجسد هذه القيم.

وهذه الجاذبية والأنس بذكر الله وتجدد اللقاء به دون ملل هو من أسرار كتاب الله (عز وجل)، كما أنه مع كل تلاوة واستماع واعٍ يهبنا معرفة وهداية إلى إحدى المعارف، فمجالسته تحدث نورًا في القلب لا يخبو، بل يزداد في كل مرة ألقًا ويشع قبس هداية ويفتح البصيرة وينشطها.

ويدعونا “القرآن الكريم” لتلك اليقظة الروحية المستنفرة للتحلي بالفضائل وتجنب المعايب والمعاصي، فهناك تذكرة تدق ناقوس الحذر والتنبيه من التقصير والخمول أو الاستجابة للشهوات، فالطمع والرجاء لما بيد الله تعالى من نعيم ورضوان تفصح عنه الآيات الكريمة، والتي تتحدث عن الجنان وما أعده الله تعالى فيها من ألوان المجازات التي تطيب لها النفس وتتشوق إليها، فتستحث النفس الخطى في مضمار العمل الصالح والمداومة على إتيانه.

وتحجز النفس وتعصمها – كل بحسب درجته المعرفية والإيمانية – عن الإقدام على ما يغضب الرب الجليل ويعرّضه لمواضع سخطه، فتقدم صورة مخيفة رادعة لما يواجهه العصاة من ألوان العذاب الألسم والعقاب الشديد، فيمتنع من أصغى أذنه الواعية عن الاقتراب من دائرة الخطر والهلاك.

و”القرآن الكريم” بلسم شافٍ لآلامنا ومصادر متاعبنا وأزماتنا، فالقلق وترقب المستقبل بعين الهواجس والخوف من آثار الماضي هي أهم ما نواجهه اليوم من مشاكل نفسية تسلبنا الهمة والسعي الحثيث، ولا ضماد لجراحنا الوجدانية إلا التمعن في تلك الوصفات التطبيبية التي تقدمها الآيات الكريمة، والتي تدعونا لجعل الماضي خلف ظهورنا وترك الأسى والحسرة عليه، فالمهم هو استخلاص العبر من أخطائنا وأخطاء الآخرين ممن سبقونا، وأما المستقبل فلا عون على خوض لججه سوى التوكل على الله والعمل الجاد بقدر استطاعتنا لتحقيق الأهداف السامية، فأوجاع المحن والمصائب والشرور لا تصيبنا بالوهن ما كنا متمسكين بالصبر الإستراتيجي وتحمل المتاعب، فحقيقة الحياة يعطينا لها “القرآن الكريم” مفهومًا واضحًا وشاملًا، فهي دار بلاء ومحطات مصاعب علينا الاستعداد لها بالهدوء النفسي وتجنب الانفعالات الطائشة والمتهورة، وطلب المعالجة الحكيمة والمتزنة لما نواجهه من تحديات وشدائد والبحث عن حلول وفق إمكانياتنا المتاحة.


error: المحتوي محمي