همسة: كن أنت، ولا تكن نسخة مكررة من غيرك.
أثمة فعلًا ما يسمى “موت المؤلف” في النص، النظرية النقدية الحديثة تنظر إلى النص ولا تولي الكاتب تلك الأهمية الكبيرة، وهو ما برز في الساحة الثقافية العربية، نتيجة التأثر بالثقافة الغربية ونظرية التفكيك، حيث ترى النظرية، أن لا تأثير للكاتب على النص المكتوب.
يذكر الكاتب محمد الحميدي في كتابه “التحولات”، أن الكاتب ملتصق بالتجربة، مهما قيل عن “موت المؤلف”، يظل ركنًا من أركانها، يشكلها، يصيغها، يؤطرها، يسير بها ضمن بناء خاص، المؤلف، منتج التجربة وصاحبها، يبقى بعيدًا عن تجربته، لا بكونه ميتًا فعلًا، بل بكون موته داخل العمل يتيح للقارئ، إنتاج الدلالة، بعيدًا عن المؤثرات الشخصية، وعليه فإن حرفية هذا الانفصال اللا كلي، المعني بالشخصية بمجملها، ليتجرد النص نسبيًا عن شخصية الكاتب، ولتبقى الإشارات المبينة للمكون الشخصي، كالمستوى الثقافي، البيئة، التربية، مؤثرًا طبيعيًا، في التجربة، حيث إن انعكاس المستوى الثقافي -على سبيل المثال لا الحصر-، يكون جليًا في اللغة والسياق، العمق في المحتوى -الموضوع-، المتناول في النص.
نقديًا، يتبع الناقد في دراسته للنص، ليس إسقاط الشخصية، ليجعلها محورًا يمكن التعاطي معه، لكنه أيضًا لا يصرف النظر كليًا عن تأثيرها في دراسته، ليستعين بها في تشريحه النقدي، للنص، كذلك في لحظة الكتابة، من الوهلة الأولى، إلى امتداد مسارها، لتكتمل، لذا يحرص الكاتب، في إتقان التجربة، على أن تكون الشخصية بعيدة في الكثير من أجزائها، إلا أنه لا يبتعد كليًا، أراد، أم لم يرد، العوامل الأخرى، ستبرز ضمنيًا.
يردف الحميدي: حينما يُبنى العمل على أساس الواقع الحقيقي، يصبح من السهل الإمساك بالتجربة، بخلاف اللجوء إلى الخيال، وتغييب الواقع. إذًا فإن العمل، إن جاء كليًا، كواقع، سيأتي كلاسيكيًا في متناول القارئ، بمختلف الفروق الفردية، ليصبح المعنى مكشوفًا، دلاليًا، لا يبعث على الغربلة، وتفعيل الأدمغة، لاستشراف العمق، في الدلالة، المُستكشفة -بالضرورة بمكان-، حيث يكون المنجز، متبلد الدلالة.
النص الذي يفتقد عنفوان تلكم الدلالة، التي تجعل من كاتبها مجتهدًا في تقديمها للقارئ، لن تكون إلا وقتية الرؤى، رهينة ولادتها، حيث لا تلبث مليًا في ذات القارئ، لأنها لا تستفزه، لا تغريه، لا تمنحه الارتعاش، بعد قراءة التجربة، وأثنائها، لتسكنه.
يتابع الحميدي: العمل الفني الجيد، ينتج تجربة جديرة بالاحترام، التماهي، بينما العمل غير الجيد، لا يستحق المتابعة والاهتمام، لا يقدم رؤية جديدة، يظل حبيس الذات، والتراث، والعصر الراهن. إن اهتمام الكاتب في تقديم تجربة مميزة، يجيء تباعًا في اهتمام القارئ، بتجربته -منطقيًا-، حيث إنه كلما اهتم الكاتب بتجربته، حصد الاهتمام من قبل القارئ بها، وبدونه لن تلاقي التجربة، أي اهتمام واحترام، من القارئ.
يتولد الاهتمام من قبل الكاتب بكل الجزئيات، الصغيرة منها، وصولًا إلى ذروتها، ليس ثمة ما يخرج عن دائرة الاهتمام، بالنسبة إليه، إن أراد، لتجربته الكتابية الحيوية والعنفوان، واحتواء القارئ، تفاعله. إن الفكرة، اللغة، السياق، الزاوية..، كلها محل اهتمامه. ومن نافلة القول -مجازًا-، وكيفية تفعيل عنصر ازدهار الدلالة، الأفلام الصامتة، حين مشاهدتها، فإن المُتلقي، باختلافه، تُكون لديه دلالات مختلفة للقطة الدرامية، عطفًا على العمل الفني-التشكيلي-، أو الصورة الفوتوغرافية.
لذا من وجهة النظر -القاصرة-، فإن، تلكم المشاهد الصامتة، إن تمت قراءتها من قبل المُتلقي -الكاتب-، باتخاذها تمرينًا على تفعيل عنصر الدلالة لديه -على سبيل المثال لا الحصر-، فإنها، ستكون عاملًا مساعدًا له كتابيًا -ولا شك في ذلك-. تأتي المفارقة، ما بين نص وآخر، في ما يحتويه من حرفية، في تقديم تجربة، تستحق أن يقضي القارئ، فيها، بعضًا من الوقت -الزمني-، ليعيشها.
في المشهد الثقافي والأدبي الكثير من التجارب، النوعية -المدهشة-، أو ما عداها، التي تفتقد النوعية -الدهشة-، حيث إن الكاتب، طبيعيًا من خلال القراءة، تكمن في اللا شعور، لديه، هذه التجارب، لتأتي -تجربته-، نتاجًا، لها طابعها الخاص به، تقاطعًا، تلاقحًا، مع تجارب الآخرين، فإن جاءت التجربة، مكررة لا تفردٍ فيها، لا تطوير لها، وإن كانت في مستواها، أو أقل منها مستوى، أو تعدوها -ربما-، لن تضيف للكاتب شيئًا في مشواره، ستجعله، تابعًا، ليس في المقدمة.
إن شغفه -الكاتب-، في تقديم تجربة متفردة، حقًا، تمنحه الطموح، الذوبان، في الكلم والمعنى، نسج السياق، الذي يقدمه، للقارئ، وأن يكون إنتاجه راقيًا، ليبني له اسمًا، يراعًا، يهفو الآخرون، إلى متابعته، والاشتياق له، لا النفور منه.