من وحي دعاء اليوم الرابع عشر من شهر رمضان: تطهير النفس من دنس الخطايا

“اَللّـهُمَّ لا تُؤاخِذْني فيهِ بِالْعَثَراتِ، وأَقِلْني فيهِ مِنَ الْخَطايا وَالْهَفَواتِ”.
هذا نداء العبد المنكسر العائد إلى الله تعالى هو الحسرة على ما مضى من عمره وقد غمره التقصير وارتكاب الذنوب، فأي جهل قد وقع فيه هذا الإنسان الظالم لنفسه، وأي هلكة قد أوقع نفسه فيها حين تردى في هلكة العصيان وسخط الله عز وجل.

هذا السوء هو حال الإنسان الذي فقد اتزانه العقلي، فلم يعد لينصت لصوت الحق والضمير الذي يدعوه للإقلاع عما يرتكبه من سيئات، قد أصم أذنيه وأغمض عينيه عن صوت الهداة والعقل، تناديه بقايا نفسه المتنفسة لهواء الطاعة: كف يا هذا وتوقف عن الإجرام بحق نفسك، وعد إلى جادة الصواب، فأنت تعصي جبار الجبابرة وستلقى عقابًا وخيمًا على ما تقترفه، ولكن ما من مجيب من نفس غمرتها الشهوات، فعميت البصيرة فما توقفت عن المعصية.

جهله بعظمة الخالق جعله من المخاطرين بنفسه وأي جهل أعظم من معصية المنعم عليه بآلاء لا تحصى، جهل دعاه إلى تفضيل اللذة الفانية يقضي منها وطره لفترة ثم يبقى حاملًا وزرها مخلدًا، جاهل لاغتراره بستر الله تعالى المرخى عليه، يمارس الخطيئة وكأنه أمن مكر الله واطمأن ظانًا أن لا يحل عليه عذابه في أي وقت، فيا له من جهل مطبق أرداه في العذاب!

جاهل هذا العاصي إذ ظن أن ارتكابه للذنوب يخفى على مولاه، تجده يراقب الناس خشية أن يراه أحد وهو يرتكب المعصية، فيفتضح أمره ويسقط من أعين الناس، فكأن الله تعالى عنده أهون الناظرين إليه!!

جاهل هذا المتعثر بمعاصيه لأنه لم يستوعب حقيقة العقوبة الإلهية للمذنبين من عباده، ممن أصر وأقام على فعله المشين ولم يحدث نفسه بتوبة تطهر نفسه من دنس المعصية، ولكن ما من متعقل لعواقب الأمور وما سيجنيه من سيره في طريق الظلام، ولا مستوعب لما يلقاه من العذاب الأليم المتمثل بنار لا يهدأ زفيرها، ولا يفك أبدًا من المقام فيها.

إن هذا العبد الذي استشعر ذل المعصية وحقارة العصيان والجحود ومرارة اللذات المحرمة الفانية، يتوجه إلى خالقه بنفس منكسرة قد أتعبتها حالة الالتصاق بالشهوات، فمد يده لتتلقفها نظرة رحمة وحنان من أرأف الرؤوفين، يتطلع إلى قبول توبته والعفو عما في ربقته من آثام لازمها طويلًا ولم يرعو عن مقارفتها، لعله يظفر بصفح عن ذنوبه.

هذه التوبة يتقبلها تعالى من نفس قد تبدلت ونشأت نشأة أخرى، فيعمد إلى الاغتسال بماء التوبة لإزالة دنس الشهوات فيطهر نفسه باليقظة وإشراقة إتيان الأعمال الصالحة، فتلك النفس المتمردة والمتجرئة على ارتكاب المعاصي واللهث خلف الشهوات قد امتحت، قد هزها بعمق الخوف من الله تعالى مستحضرًا العبد ما احتوته الآيات الكريمة مما أعده الله تعالى من أليم العذاب، يريد أن يدخل إلى عالم جديد ملؤه الطهارة والنقاء الروحي، وذلك بالأنس بالقرب من محبوبه فتشرق فيه شمس الورع.

طريق الإنابة والعودة إلى حظيرة الرحمة والمغفرة الإلهية مفتوح في كل وقت يستشعر فيه مخاطر الذنوب، وما على المرء إلا أن يتخذ قرارًا بالرجوع إلى الله تعالى، وهذا ما لا يمكن حصوله إلا من صاحب إرادة قوية وهمة عالية يتحمل ألم الاجتناب عن المعصية (مفارقة الشهوات)، ويسعفه على أوبته البشارة الإلهية بالتجاوز عن العصاة بل والدخول في زمرة المحبوبين عنده تعالى.


error: المحتوي محمي